قام الطائرات الحربية بقصف بيت مراسل الحياة اليومية السيد مصطفى اللداوي وبيت عائلته في غزة التي تتعرض إلى جانب القدس والضفة الغربية للهجوم الإسرائيلي. وفيما يلي ما كتبه حول الحادث:
بقلم: د. مصطفى يوسف اللداوي*
*17 ماي 2021
الحمد لله الذي لا يحمد على مكروهٍ سواه، ولا يرجى إلا إياه، ولا يلجأ إلا إليه، فقد أصابنا ما أصاب الكثير من شعبنا، ولحق بنا ما لحق بأهلنا، فقد أغارت طائراتٌ حربيةٌ إسرائيلية صبيحة اليوم الثامن من العدوان على غزة، على بيتي وبيت عائلتي في مخيم جباليا شمال غرب القطاع، الكائن في منطقةٍ يطلق عليها “بير النعجة” فأصابته حمم صواريخه ودمرته، فإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، والحمد لله رب العالمين، ولا نقول إلا ما يرضى الله ربنا، فاللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، وعوضنا اللهم وشعبنا خيراً، وألهمنا صبراً، وجُدُ علينا فضلاً، وأكرمنا بنصرك علينا يتنزل، وثبت اللهم أقدامنا على الحق وفي أرضنا، وعجِّل في خلاصنا من هذا البغي الظالم، المتغطرس القاتل.
كما أغلب البيوت والمباني التي دمرها جيش العدو، فقد اتصل أحد ضباطه بشقيقي قبل ظهر اليوم، وهو اليوم الثامن للعدوان، وطلب منه مغادرة بيت العائلة، ولما كان أهلي يسكنون جميعاً في بيت شقيقي الذي دمر في عدوان عام 2014، فقد غادروا البيت على عجل، دون أن يتمكنوا كغيرهم من أخذ شيءٍ من مقتنياتهم أو حاجاتهم الخاصة، ولكن الضابط عاد واتصل به مجدداً، قائلاً له ليس هذا البيت، وإنما بيت العائلة الجامع، بيت الوالدة والوالد، البيت الذي يسكنه جميع أهلك، وتلتقون فيه مع أمك، فعلم أخي أن بيتنا الكبير سيقصف لا محالة، وما إن غادر من كان فيه، حتى طالته صواريخ البغي والعدوان ودمرته، وقد ألحقت الغارة كما كل الغارات الأخرى، دماراً في المنطقة، وخراباً في المباني المجاورة، وتصدعاً في الأرض، وتشققاً في الشوارع المحيطة والطرقات.
ليس هناك من بيتٍ في قطاع غزة غير مهددٍ، ولا يوجد بناءٌ غير مستهدفٍ، فقد دمر عشرات المباني، وخرب مئات المنازل، وكلها مساكنٌ مدنية لا وجود لشبهة العسكر فيها، ولكنه الحقد الأعمى والكره الدفين، والجريمة المستأصلة والعدوان المريد، فقد اعتمد جيش العدو الذي فشل في تحقيق أهدافه، وعجز عن أن ينال من قدرة فصائل المقاومة، التي أعيته صواريخها، وأدمته حمم قذائفها، ولم يتمكن حتى الساعة، ولن يتمكن إن شاء الله، من تحديد مكان منصاتها، أو طريقة إطلاقها، أو الطواقم التي تشغلها وتلك التي تحركها وتنسق عملياتها وتحدد إحداثياتها، إذ ما زالت صواريخها تنطلق إثر كل غارةٍ، وتمطر بها المدن الإسرائيلية البعيدة والقريبة، في ردٍ مباشرٍ وسريعٍ على كل غارةٍ ينفذها العدو ضد شعبنا.
نتيجة فشله الشديد وعجزه العقيم، في تحقيق نصرٍ يتيم يحاول الوصول إليه، وعجزه عن اصطياد قائدٍ عسكري أو سياسي، أو الوصول إلى هدفٍ ثمينٍ يمني به نفسه، ويضحك به على شعبه، فقد لجأ إلى سياسة تدمير المباني والأبراج، وقصف البيوت والمنازل، وحرث الشوارع والطرقات، وتقطيع المناطق عن بعضها البعض، وتدمير البنى التحتية، وتخريب شبكات الكهرباء والهواتف وغيرها، مستخدمةً في عدوانها أحدث الأسلحة الفتاكة المدمرة، التي تحدث في كل غارةٍ زلزالاً في المنطقة، يرج الأرض كلها، ويقوض كل المباني ويحيلها في دقائق معدودةٍ إلى ركامٍ وحطامٍ.
أمي الحبيبة… اخوتي الأعزاء، أخواتي الكريمات، وكل أهلي الكرام، أصبروا واحتسبوا، واحمدوا الله عز وجل وأشكروا فضله ونعماءه، ولا تهنوا ولا تحزنوا على ما أصابكم، ولا تبتئسوا على ما حل بكم، ولا تحزنوا على حجارة البيت التي فتتت، وجدرانه التي قوضت، وسقوفه التي سقطت، وذكرياتكم فيه التي ذهبت، فقد اجتباكم الله عز وجل وابتلاكم، واختاركم ليمتحنكم ويختبركم، ولكن ليجزيكم خيراً ويثيبكم أجراً، ويعوضكم في الدنيا وطناً وفي الآخرة جنةً، وكما مَنَّ الله عز وجل علينا فعمرنا بعد عدوان العام 2014 بيت العائلة التي دمر، فإننا وشعبنا سنعيد بناء كل بيتٍ دمر، وسنعمر كل منزلٍ استهدف، وسنرمم كل ضررٍ أحدثوه وخرابٍ سببوه، فلا حجر نبكيه، ولا شهيد نفجعُ به، ولا خسارة تقعدنا ولا عدو يهزمنا، وإنما نصرٌ نتطلع إليه، وعزةٌ نروم بها وكرامةٌ نريدها ونسعى إليها.
لوطن: متابعة