lwatan.com
بقلم ياسين الحسناوي
في مشهد لا يشبه الناظور التي نعرفها، تُسَطّر المدينة اليوم ملامح جديدة، وجوه رجال الأمن أضحت أكثر مألوفية من وجوه المارة، والمدينة التي كانت يوما تضج بالحياة اليومية البسيطة تحولت إلى ما يشبه سوقا مؤقتا بجوار ثكنة عسكرية.
حشود الأمن بمختلف رتبهم وزيهم يملؤون الشوارع، يتفقدون الأزقة، يقفون في الساحات وكأنهم يستعدون لمعركة غير مرئية، والسبب؟ دعوات اجتاحت وسائل التواصل الاجتماعي كالنار في الهشيم، نداءات للشباب الباحث عن مخرج، عن أمل في حياة أفضل، لاقتحام مليلية وسبتة يوم الخامس عشر من شتنبر.
من بين أحياء المدينة، تسللت مشاعر الغضب والحيرة، فتوافد على المدينة شباب لم تألفهم أزقتها، جاؤوا من مدن مختلفة، مدفوعين برغبة جامحة للعبور، عبور ليس فقط للجغرافيا، بل للهروب من واقع مغلق لا يعرف الرحمة.
مشاهد متكررة تصفع الوطن في وجهه، كما تصفع تاريخه، وكأن شريطا طويلا من الألم يعاد عرضه مرة أخرى، وهنا يظهر السؤال البديهي: أين هم السياسيون الذين وعدونا كثيرا؟ أين تلك البرامج الانتخابية التي رسمت لنا أفقا مشرقا؟ أين هم المسؤولون الذين طالما تحدثوا عن “التنمية”، و”الاستثمار في الشباب”؟ في أي زاوية يختبئون اليوم، بينما يتكدس الشباب على حافة يأسهم؟
أما الإعلام، فيقف متفرجا أو مشتبكا في معركة أخرى، معركة البحث عن “البوز” وعن فيديو المليون، وعن قصة سريعة تثير الفضول ثم تختفي، لماذا لا يخرج هذا الإعلام من قوقعته، ليبحث في الدوافع الحقيقية التي تدفع بهؤلاء الشباب إلى المخاطرة بحياتهم؟ هل هو الفقر؟ البطالة؟ أم أن هناك أيادٍ خفية تستفيد من هذه الفوضى؟ هل يبحثون في زوايا المجتمع المهملة، في أعين الأمهات اللاتي يودعن أبناءهن دون يقين بعودتهم؟ أم أن مهمتهم هي فقط تصوير المشهد وإعادة عرضه دون تعمق؟
في هذا السيناريو المظلم، يتسلل الحزن، لكن لا يسعنا أن نغفل عن تلك الأسئلة الكبيرة التي تتجاوز أروقة الأمن والسياسة والإعلام، من المسؤول عن هذا الحلم المبتور؟ من الذي يغلق الأبواب في وجه شبابنا، فيدفعهم للبحث عن خلاص في ظلمات البحر عبر قوارب الموت؟
إنها مأساة جماعية، مأساة وطن، ووراء كل هذا الصمت، هناك من يستفيد.