في هذا الحوار ،أكدت أمينة أحكيم، رئيسة النقابة المهنية الوطنية للمبصاريين بالمغرب، أن وصف أطباء العيون للمبصاريين بأنهم تجار لاينقص من مكانتهم، مادام أن مزاولة المهن الطبية والشبه الطبية بالقطاع الخاص، تخضع لقانون العرض والطلب، مبرزة في حوار مع “أنفاس بريس“، أن الخطر الحقيقي على الصحة البصرية يكمن في الصعوبة في الحصول على حق العلاج المتجلية في قلة عدد أطباء العيون وسوء توزيعهم وصعوبة الحصول على المواعيد وغلاء تكلفة الكشف بالقطاع الخاص وعدم استفادة كل المواطنين من التغطية الصحية..وفيما يلي نصه:
أنتم متهمون بالقيام بممارسات غير قانونية للطب فيما يخص قياس النظر، وحسب تصريحات أطباء العيون فالنظاراتيون هم في موضع المتطفل على قياس البصر، كيف تردين على هذه الاتهامات؟
هذه الاتهامات غير جديدة، لكنها أصبحت اليوم مدعاة للقلق والاستياء من قبل قطاع عريض من النظاراتيين، وهم بذلك يستغلون جهل بعض المواطنين لتمرير مغالطاتهم، والهدف من هذا أولا وأخيرا، هو احتكار المهنة، وسنجيب في هذا الحوار على كل النقط أو ما اعتبرته اتهامات للنظاراتيين.
فيما يخص ادعاء سقوطنا في الممارسة غير القانونية للطب، هذا ما يفنذه القانون رقم 13-131 المتعلق بمزاولة مهنة الطب، الذي تمت المصادقة عليه 60 سنة بعد ظهير 1954المنظم لمهنة النظاراتي المبصاري، والذي ينص في الفقرة الأخيرة من المادة 108 على أنه: “لا تطبق أحكام البند 1 من هذه المادة على الطلبة في الطب الذين يقومون بأعمال نيابية منتظمة أو ينجزون الأعمال التي يأمرهم بها الأطباء الذين يؤطرونهم. ولا على الممرضين أو القوابل أو مهنيي المهن الشبه الطبية الأخرى في حالة مزاولة المهنة طبقا للقوانين المنظمة لمهنهم” علما بأن مهنة النظاراتي المبصاري هي مهنة منظمة بظهير 1954 الذي يحدد بالتفصيل الحالات التي يجوز فيها للنظاراتي المبصاري تقديم المستلزمات البصرية للعموم دون وصفة طبيب.
من جهة أخرى فإن قانون المستلزمات الطبية رقم 12-84 ينص صراحة، من خلال الفقرة 3 من المادة الأولى على أحقية أي شخص مرخص له بذلك بموجب مؤهلاته المهنية، في وصف وملاءمة المستلزمات الطبية لتلبية الحاجيات الخاصة للمرضى، بحيث تعرف المستلزم الطبي على المقاس، على أنه: “كل مستلزم طبي صنع بشكل خاص لغرض الاستعمال من قبل مريض بعينه تبعا لوصفة مكتوبة من طرف طبيب مؤهل أو أي شخص آخر مرخصا له بذلك بموجب مؤهلاته المهنية”.
كما نصت نفس المادة على أن ملاءمة المستلزمات الطبية على المقاس يمكن أن يتكفل بها “طبيب أو أي مستعمل مهني لتلبية الاحتياجات الخاصة لمريض بعينه”.
هل يمكن للتقني أن يقيس النظر، مادام أطباء العيون يتحدثون عن ضرورة اعتماد المنطق العلمي الطبي؟
إن قياس البصر للعين السليمة هي عملية تقنية تعتمد على أسس وقواعد فيزيائية بصرية، يمارسها النظاراتي المبصاري وفق مؤهلاته المهنية العلمية والتقنية المكتسبة سواء من خلال التكوين العالي الأساسي أو من خلال التكوين المستمر، ولا يشكل تشخيصا لمرض أو تقييما لجراحة وغير وارد في مصنف الأعمال الطبية الخاص بأطباء العيون.
وعكس ما تدعيه هاته الجهات، فإن تغليب المنطق العلمي الطبي يقتضي منها التركيز على التكفل بالأمراض والجراحة التي تلقت تكوينا بخصوصها، وبالتالي تثمين الوقت الطبي بحيث يتكفل الطبيب بالجانب المرضي والجراحي: فلا يعقل أن تكون الدولة مهنيين خلال 12 سنة، ثم يكتفون بالقيام بمهام تتطلب فترة أقل من التكوين، رغم الخصاص الذي يعانيه المغرب في مجال الطب وجراحة العيون. ألا يعتبر هذا الأمر هدرا للوقت الطبي، وهدرا لاستثمارات الدولة في تكوين هؤلاء المهنيين؟
أنتم متهمون أيضا بالمس بصحة المواطنين، من خلال ما تقومون به، كيف تردين؟
لم يثبت على مدى 65 سنة أن شكل قياس البصر من طرف النظاراتيين المبصاريين أي خطر على صحة المواطنين، بل إن الخطر الحقيقي على الصحة البصرية يكمن في الصعوبة في الحصول على حق العلاج المتجلية في قلة عدد أطباء العيون وسوء توزيعهم وصعوبة الحصول على المواعيد وغلاء تكلفة الكشف بالقطاع الخاص وعدم استفادة كل المواطنين من التغطية الصحية.
كما أن الخطر الحقيقي على الصحة البصرية يتجلى في محاولة احتكار كل الأنشطة المرتبطة بالصحة البصرية، من طرف أطباء العيون، والحيلولة دون تطوير تكوين المهن الشبه الطبية وعرقلة ممارسة المهارات المكتسبة من خلال التكوين المستمر من طرف المهن الشبه الطبية.
كما أن الخطر الحقيقي المحدق بالصحة البصرية يكمن في صمت هاته الجهات المهنية عن الممارسة غير القانونية والعشوائية لمهنة النظاراتي المبصاري من طرف القطاع غير المهيكل، بما فيها بيع العدسات اللاصقة وتركيبها. بحيث لم تقدم أي بلاغ في هذا الباب!!
ثم إنّ هاته الجهات لم تقدم أي تعديل فيما يخص كل المواد التي يجب تجويدها في مشروع القانون 13-45، خدمة للصحة البصرية، بل اكتفت بالمطالبة بتعديل المواد المتعلقة بالنظاراتيين المبصاريين ومروضي العين!!!
في تصريحات أطباء العين هناك اتفاق على عدم السماح لكم باعتباركم “تقنيين تجارا” لممارسة قياس النظر، كيف تردين؟
فعلا، دأبت بلاغات هاته الجهات المهنية على وصف النظارتيين المبصاريين بالتجار والتقنيين. ونبهت من أن “ما درس تقنيا سيتداخل مع ما درس علميا”. لن ندخل هنا في نقاش فلسفي حول علاقة العلمي بالتقني، ولكن نكتفي بطرح أسئلة من الواقع: ألا تعتمد الأنشطة التي يقوم بها النظاراتي المبصاري على قواعد علمية من علوم الفيزياء والبصريات والصحة؟ ألا يتم تدريب الأطباء على تقنيات الجراحة والفحص؟
أما فيما يخص ممارسة التجارة، ألا تخضع مزاولة المهن الطبية والشبه الطبية بالقطاع الخاص، لقانون العرض والطلب، كما تطرقت لذلك دراسة قدمها مجلس المنافسة حول المهن الحرة المنظمة؟ هل تقدم المهن شبه الطبية والمهن الطبية – في القطاع الخاص وعلى سبيل الاعتياد – خدماتها المواطنين دون مقابل مادي؟ أودون سعي للربح؟!
كيف تصفون هذه الحملة الموجهة ضدكم من قبل أطباء العيون، بإثارة المادة 6 من المشروع؟
المادة 6، ماهي إلا الشجرة التي تخفي الغابة، فحين تتدخل هيأة للتحذير من أن “ما يحمله هذا الفصل ستكون له تداعيات خطيرة على صحة المواطنين، مؤكدة أن الأمر سيتوسع إلى باقي الاختصاصات الطبية كطب الترويض وطب الأسنان وطب العظام وجراحة الأظافر وطب الجلد و … ” فهذا الأمر لا يهدف إلا لتكريس الحجر والوصاية على المهن الشبه الطبية، بل إن بعض هاته الجهات تحاول حتى عرقلة تطوير تكوين المهن الشبه الطبية، وقد اتضح هذا الأمر جليا حينما اعتبرت جهة مهنية أن فتح الماستر أمام النظارتيين المبصاريين ما هو إلا تكريس للممارسة غير القانونية للطب، وبالتالي فإن هاته الجهات المهنية تعمل لتجعل من المهن الشبه الطبية خادما لمصالح الطبيب وليس في خدمة المواطن والقطاع الصحي.
بناء على ما سبق، وفي ظل الإكراهات التي يعرفها قطاع الصحة البصرية بالمغرب، من ضعف عدد أطباء العيون وسوء توزيعهم عبر ربوع المملكة، وضعف التغطية الصحية، نعتبر أن الظهير الشريف الصادر في 4 أكتوبر 1954 يقدم الحل الأمثل لهاته المعيقات، وذلك بترخيصه للنظاراتيين المبصاريين بقياس البصر في حالات معينة، وبالتالي فإنه يساهم في تحقيق العدالة المجالية المرتبطة بالصحة البصرية ويشكل طوق نجاة للمواطنين من ذوي الدخل المحدود والذين لا يتوفرون على تغطية صحية وفي المناطق النائية بحيث يسمح لهم الاستفادة من خدمات بصرية في ظروف مواتية. وفي غياب هذا الحل فإن عددا كبيرا من المواطنين المغاربة سيصبحون عزلا أمام ما يتطلبه احتكار قياس البصر من طرف جهة واحدة من معاناة المواعيد والتنقل وارتفاع الكلفة.. بما قد يجعلهم “يزهدون وهم مكرهون” في الاستفادة من هاته الخدمات. بل إن التحديات التي تفرضها نمو المتطلبات البصرية للمواطن، موازاة مع تطور التقنيات الذكية المستعملة في قطاع الصحة البصرية تستوجب تثمين الموارد البشرية الصحية المتوفرة والتشجيع على ممارسة الكفاءات العلمية المكتسبة من طرف النظاراتين المبصاريين من خلال التكوين المستمر وذلك عن طريق تفويضهم المزيد من الصلاحيات المرتبطة بالوقاية في مجال الصحة البصرية، كما هو معمول به في سائر دول العالم.
ختاما فإن النقابة المهنية الوطنية للمبصاريين بالمغرب، انطلاقا من إيمانها الراسخ بالمساهمة المعتبرة للنظاراتيين المبصاريين في التخفيف عن شريحة كبرى من المواطنين من المعاناة المرتبطة بالصحة البصرية تعتبر أن أي تحيين لهذا الظهير يجب أن يتضمنه نص تشريعي بمثابة قانون تحت إشراف وزارة الصحة، وأننا لا نقبل بإيلاء أمر مهنتنا لأي جهة أخرى ستكون حكما وخصما كما اتضح ذلك خلال بلاغها الأخير؛ ومواصلة أشكالها النضالية بتنظيم وقفة احتجاجية سيعلن عن تاريخها قريبا.