مصطفى التلموتي
بعد أن صوتت لجنة التعليم والثقافة بمجلس النواب على مشروع القانون التنظيمي رقم 04.16 المتعلق بالمجلس الوطني للغات الذي بموجبه سيتم إلحاق المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بنفس المجلس، أعتقد أنه آن الأوان لتجديد خطاب الحركة الثقافية الأمازيغية بشكل خاص والحركة الأمازيغية بشكل عام فيما يتعلق بمطلب إحداث معاهد مستقلة تعنى بالثقافة واللغات الأمازيغية، فنحن اليوم أمام مشروع كبير لازال في مراحله الأولى أو خطواته الأولى نحو المستقبل، يتعلق الأمر بالجهوية الموسهة وعلاقتها بالتنمية المجالية والديمقراطية، نحن الأن أمام رهان جديد بمعايير جديدة تستوجب علينا الخروج من ركود وجمود الملف المطلبي الذي يضرب الحركة في استمراريتها من جهة، وعدم انسجامه واختيارات الدولة فيما يتعلق بالأمازيغية من جهة أخرى.
ما دامت الحركة تؤمن بالدينامية في الخطاب، وأن تصورها منبثق من عصارة الفكر البشري بشكل عام، وأن كل مرحلة يحددها محيطها السياسي والأطراف المشكلة له، فانطلاقا وانسجاما مع ما تقتضيه المرحلة الراهنة لابد من الوقوف أولا عند اللغة التي تشكل وتعد محدد من محددات الهوية وقفت تأمل وتساؤل لفتح المجال أمام صياغة مطلب جديد/قديم نوعا ما ألا وهو إحداث معاهد جهوية تعنى باللغات بمحددات وخصوصيات تاريخية وثقافية واجتماعية بعيدا كل البعد عن التقسيم الجهوي الحالي الذي ينطلق من المقاربة الأمنية في تحديد المجال، أي وضع الجهات التاريخية في صلب اهتمامات الإصلاح المنشود.
إذا تأملنا جوهر هذا المطلب سنجد أنه مستوحى من عمق وروح الدستور المغربي وفق التعديل الأخير لسنة 2011 الذي ينطلق من مفهوم التنوع في الوحدة، ما يجعلنا نتسائل حول كيف يمكن أن ينطبق هذا المفهوم على اللغة؟
سؤال جوهري ومحوري يستوجب على كل أمازيغي كان أو ديمقراطي أو حقوقي أن يطرحه إذا ما تعلق الأمر باللغة خاصة وأن المغرب اختار الإنطلاق من الوحدة على مستوى اللغات الأمازيغية وذلك عبر خلق معهد يوحد اللغات الأمازيغية في قالب اللغة المعيارية سنة 2003 ثم إدخالها إلى التعليم والإعلام ليحافظ على مركزية الدولة في تعاطيه مع الأمازيغية، رغم أن تجربة تدريس اللغة الأمازيغية المعيارية عاشت مخاض عسير وعراقيل متعددة يمكن الحديث عنها في سياق اخر، إلا أن ما يمكن قوله أن هذه التجربة أنتجت تراكم لا بأس به في سياق التوحيد.
بعد 17 سنة من العمل على هذا المشروع الذي كان مطلبا للحركة الأمازيغية ولازال، أصبح لزاما على كل من الحركة والدولة المركزية التفكير بجدية ومسؤولية في كيفية الإنسجام مع مفهوم التعدد اللغوي والثقافي الذي طرحه الدستور والذي يعد محورا ومدخلا أساسيا في تحديد الهوية الجهوية، وجسرا يضمن العبور نحو الديمقراطية
على سبيل المقارنة نجد أن أوروبا في تعاملها مع اللغات اعتمدت اللغات الإقليمية التي نص عليها الميثاق الأوروبي للغات الإقليمية أو اللغات الأقلية التاريخية، ففي المادة 7 الفقرة 4 من الميثاق تنص على إنشاء هيئات تمثل مصالح اللغات الإقليمية أو الأقلية وتقوم بتعزيزمكانتها في جميع مناحي الحياة العامة، التعليم، السلطات القضائية، السلطات الإدارية والخدمات العامة، وسائل الإعلام، الأنشطة والمرافق الثقافية، الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وكذا التبادلات العابرة للحدود.
أعتقد أنها مؤشرات إيجابية ومحفزة لتبني مثل هكذا مطالب لتعزيز الديمقراطية والتنمية المجالية وضمان الاستقرار اللغوي والثقافي المتنوع الذي يقر به الدستور المغربي.