وأنت قادم نحو الحسيمة من الجهة الغربية عبر الطريق الساحلي، وبعد أن تتجاوز العشرات من الجبال التي تعترض سبيلك، سيوقفك السد القضائي للدرك الملكي بجماعة بني كميل على بعد نحو 70 كلم من الحسيمة ، وبعد التحية، السؤال ” منين جيتي؟ وفين غادي؟، عندك الرخصة؟”.
ستتجاوز السد الأول، ليوقفك سد ثان بجماعة بني بوفراح على بعد نحو 50 كلم من الحسيمة، بعد التحية، السؤال اللازمة “منين جيتي وفين غادي؟ أرا نشوف الرخصة؟، سيعترضك الثالث بجماعة أيت قمرة على بعد حوالي 25 كلم من الحسيمة، ثم الرابع بآيث داوود، ثم الخامس بأجذير، قبل السد القضائي السادس للشرطة بمدخل الحسيمة.
يعزى هذا التشدد الأمني، إلى القرار العاملي الذي تضمن مجموعة من الإجراءات الإحترازية من الوباء، من بينها اعتماد رخصة التنقل من وإلى تراب الحسيمة، وذلك بهدف الحد من التفشي السريع لكوفيد-19، بعد أن أضحى الإقليم يسجل أرقاما مقلقة في عدد الإصابات المؤكدة و الوفيات في الأيام الماضية.
كوب قهوة على بحر كالابونيطا لطرد العياء بطعم الأزمة..
الساعة تقارب السادسة مساء، المقهى فارغ إلا من نفر هنا وطالب هناك من أثر الكوفيد.. صاحب المقهى أخبرني أنه وزملاؤه يطالبون بتمديد ساعة إغلاق المقاهي إلى غاية الحادية عشر ليلا، “حنا حتا مع المغرب عاد كنخدمو شوية حيث الناس كتجي تجلس هنا على البحر..” يقول رب المقهى، مشتكيا من الأزمة نتيجة الركود الذي يعاني منه أرباب المقاهي بالحسيمة، “صاحبي فوسط المدينة قالي فالتلفون البارح باع 250 درهم فالنهار كلو، آش غاتعمل لو؟ واش د السلعة أو د الخدامة أو ديالو أو..” مستنكرا في حيرة من أمره.
يقول رب مقهى آخر، “شفتي هاد الكماريرو كنخلصو ب 2500 درهم فالشهر، فكرت نحيد ليه 500 درهم هاد الشهر، ماكندخلش، ايلا بقيت هاكا راني خاسر.. هو مابغاش.. وكنفكر نسد كاع”.
يضيف أحدهم، “المشكل هو أن الوضع الوبائي كيزيد.. و السبيطارات والو.. راه فمستشفى القرب فإمزورن كيقتلو تماك الناس.. واحد صاحبي دخل يماه مزيانة لتماك وخرجات ميتة بعد ما عملو ليها واحد الشوكة” !!!
الركود واضح للعيان، شوارع الحسيمة لا تستعيد قليلا من الحركة إلا بعد الظهر، جل المرافق ساكنة هادئة لا يسمع فيها إلا للنوارس، كذلك الفنادق، المقاهي و المطاعم فقدت الكثير من روادها، وضع مقلق اقتصاديا واجتماعيا.
تحذير من العشاء الموبوء بالميناء
“إياك من مطاعم وحانات الميناء.. أضحت بؤرا للكوفيد، هل تدري أن أشخاصا عدة من مرتادي مطاعم الميناء مرضوا بالكوفيد؟ لن ألبي دعوتك الليلة، يجب الإحتياط” يحذرني الصديق هشام، مضيفا” وليكن في علمك أن قرار الإغلاق سيبدأ تمام 21.00 والآن الساعة تقارب 20.00، الكل سيغلق، والشرطة ستطارد من تلكأ”، حسم هشام الموقف.
وبدل ذلك، اقترح قضاء بعضا من الوقت، فوق إحدى التلات المطلة على الحسيمة المدينة، ومنها تبدو الحسيمة جميلة في منظر ليلي بانورامي قبل حلول موعد العودة للمنازل..
في حوارنا، دق صديقي ناقوس الخطر بشأن الوضع الوبائي، والقدرة الإستشفائية بالإقليم، ممعنا في السخرية من الوضع بالجملة الخطيرة والتي تتكرر على ألسنة العديد من سكان الحسيمة “فسبيطار إمزورن كيقتلو الناس تماك “!!!
التاسعة ليلا.. حظر التجول
بعد ساعة ودقائق، دقت ساعة الصفر.. موعد الدخول إلى المنازل وتنزيل حظر التجوال.. ونحن نمر بشارع طارق بن زياد الرئيسي نحو مآوينا، ذكرني مشهد انتشار رجال الأمن في استنفار تام بأيام حراك الريف بعد أن عمدت السلطات المحلية لقطع أوصال الأحياء بسدود أمنية للتحكم في حركة المحتجين.
الشرطة في تأهب وهي تنزل القرار العاملي القاضي بإغلاق المحلات التجارية و المقاهي و المطاعم تمام التاسعة مساء وإفراغ الفضاءات العامة من مرتاديها.
ساعة بعد ذلك وستصير المدينة خالية عن آخرها.. لا يرى فيها غير بعضا من رجال الأمن ودورياتهم.. يساعدهم في ذلك وعي الناس، والتزامهم بموعد العودة للمنازل، وتفاديا لأي احتكاك مع العناصر الأمنية، واحتراما للإجراءات العاملية الهادفة إلى الحد من تفشي كورونا بالحسيمة.
حالة سكون تام في ليل الحسيمة، لا أحد يتحرك غير القطط وبعض الجراء على قلتها بحدائق الحسيمة التي تعلوها لافتات تذكر الناس بمنع التجوال والترفيه والتجمع بالحدائق العمومية.. سكون لا يكسره غير أصوات النوارس الجائعة ليلا..