الظروف الطارئة في القانون الإسباني.. حالة الإنذار وواقع حالة الاستثناء

19 أبريل، 2020 - 20:35 الرئيسية تابعونا على Lwatan

قطيفة القرقري (باحثة بجامعة بابلو اولابيدي باشبيلية -اسبانيا-)

إن ميلاد الأزمات داخل أية دولة، يجبرها على الرد في إطار “الدفاع المشروع” سياسيا لحماية نفسها واستمرار كيانها، وهو مبدأ قانوني معترف به. لذلك فإن السؤال الأول المتبادر للذهن، هو كيف تمارس الدولة هذه القوة الدفاعية؟ وهل يفترض ذلك تعزيز قوة السلطة التنظيمية مقابل السلط الأخرى، وما يترتب على ذلك من تغيير لتنظيم السلطات، وإلى أي حد يمكن تعليق وتقييد بعض الحقوق والحريات الأساسية للمواطنين.

تعلمنا الأزمات -غير المرغوب فيها- دائما أنه من الأنسب توقعها واقعا وافتراضا، واقعا بالاستعداد المادي والبشري، وافتراضا، بالتعرض الاستباقي لها داخل النص القانوني الصادر عن البرلمان؛ والذي يمنح شرعية التدخل للدولة، ويرفع اللبس عن بعض الإجراءات التي تتخذها في ظل الأزمة.

في إسبانيا، ظلت بعض مواد دستورها لسنة 1978 طيلة 40 سنة “ميتة” تقريبا بتعبير الفقه الدستوري، كما يعتبرها بعض الحقوقيين أنها مجرد تعاليم مكتوبة لا يمكن استخدامها أبدا. وهو عكس ما وقع خلال السنوات الأربع الأخيرة. وهنا نقصد المواد التالية:
 المادة 99.5 من الدستور: التي تلزم الدعوة إلى انتخابات جديدة إذا لم ينجح الحزب الفائز في تشكيل الحكومة بعد شهرين من المحاولة الأولى.-وهو ماتابعناه مع حكومة سانشيز.
 المادة 155، التي تسمح للدولة بالتدخل في شؤون منطقة مستقلة ذاتيا، وهو ما وقع مؤخرا مع إقليم الباسك.
 المادة 116، والتي تم تطبيقها لأول مرة سنة 2010 على كامل الأراضي الوطنية.

بالمقابل لا يتوانى البعض الآخر في إقرار أهمية هذه المواد،التي تؤهل السلطات العامة، عند الاقتضاء، لامتلاك أدوات قانونية كافية للبحث عن حل غير تعسفي في الحالات غير الطبيعية. على حد تعبير الأستاذ “الفاريز كوندي”:”إذا كانت العلاقات الطبيعية تنظم في إطار قانوني واضح يجب أن تنظم الحالة الاستثنائية، الحالة غير الطبيعية أيضا بقوانين مقابلة لها”.
التنصيص الدستوري لحالات الطوارئEl estado de emergencias بإسبانيا:
تنص المادة 116من الدستور الاسباني على أنه:
1-ينظم قانون تنظيمي حالات الإنذار والاستثناء والحصار (الأحكام العرفية) والصلاحيات والقيود المترتبة عن إعلانها.
2- تعلن الحكومة بواسطة مرسوم يقره مجلس الوزراء عن حالة الإنذار لمدة أقصاها خمسة عشر يوماً، ويتم إخبار مجلس النواب الذي يجتمع فوراً لهذا الغرض ولا يمكن تمديد هذه المدة إذا لم يبد المجلس المذكور موافقته ويحدد المرسوم المناطق التي يشملها الإعلان عن حالة الاستنفار..
3- تعلن الحكومة عن حالة الاستثناء بواسطة مرسوم يصدره مجلس الوزراء بعد إذن مسبق من مجلس النواب. ويجب أن ينجم عن قبول حالة الطوارئ والإعلان عنها تحديد صريح لآثارها وللمناطق التي تطالها ومدتها التي يجب ألا تتجاوز ثلاثين يوماً قابلة للتمديد لفترة مماثلة مع مراعاة نفس الشروط.

4-تعلن الأغلبية المطلقة بمجلس النواب عن حالة الحصار (الأحكام العرفية) باقتراح تتقدم به الحكومة وحدها. ويحدد مجلس النواب المناطق التي تشملها ومدتها وشروطها.

5-لا يمكن حل مجلس النواب خلال الفترة التي يعلن فيها عن بعض الحالات المنصوص عليها في هذه المادة، ويعقد مجلسا البرلمان جلساتهما تلقائياً إذا لم تكن قد حانت الدورة البرلمانية بعد. ولا يمكن أن تتوقف مهام البرلمان أو باقي السلطات الدستورية للدولة في الوقت الذي تكون فيه الحالات المذكورة سارية المفعول. إذا تم حل مجلس النواب أو انتهت ولايته ووقع ما يدعو إلى إعلان إحدى الحالات المذكورة، يخول صلاحياته إلى النيابة الدائمة

. 6- لا يعدل الإعلان عن حالات الاستنفار أو الإنذار والاستثناء والحصار مبدأ مسؤولية الحكومة وممثليها المشار إليهم في الدستور والقوانين.

تأسيسا على هذه المادة، فإن حالة الطوارئ عند المشرع الاسباني هي حالة غير طبيعية تتجلى في التغيير الخطير للممارسة الحرة لحقوق المواطنين وحرياتهم، وسير العمل العادي للخدمات العامة الأساسية للمجتمع، أو لأي جانب آخر من جوانب النظام العام..

وفقا لنفس المادة، تعلن الحكومة إذن حالة الطوارئ، بتفويض مسبق من مجلس النواب، بموجب مرسوم يوافق عليه مجلس الوزراء، والذي سيحدد آثاره ونطاقه الإقليمي ومدته، والتي قد تتجاوز ثلاثين يومًا ، قابلة للتمديد لفترة مساوية أخرى بنفس المتطلبات. قد تتضمن تعليق بعض الحقوق: الحرية الشخصية، حرمة المسكن، سرية الاتصالات، الإقامة والحركة الحرة، حرية التعبير والمعلومات، الحق في الإضراب والنزاع الجماعي.

التنصيص القانوني لحالات الطوارئ باسبانيا
ولأن الدستور هو وثيقة تحتاج دائما لقوانين تنظيمية مكملة،ولأن الإعلان عن حالة الطوارئ هو من اختصاص البرلمان الاسباني ،فإن القانون التنظيمي رقم 4/1981 ، الصادر في 1 يونيو سنة 1981 يوضح بشكل دقيق شروط ممارسة هذا الحق.

وهو هنا يميز بين درجات خطورة الوضع الذي ستقبل عليه الدولة، أي إما: El estado de alarma حالة الإنذار أوEl estado de excepción حالة الاستثناء أو El estado de sitio حالة الحصار
طبعا يتم الإعلان عن كل واحد منها بشروط معينة، ووفق أوضاع معينة، إذ ينص القانون التنظيمي في مادته الأولى على أن إعلان حالات الإنذار أو الاستثناء أو الحصار في ظروف استثنائية تجعل من المستحيل الحفاظ على الوضع الطبيعي للبلاد. وأن التدابير التي يتعين اتخاذها في حالات الإنذار والاستثناء والحصار، يجب أن تكون ضرورية للغاية لضمان استعادة الوضع الطبيعي. كما أن إعلان حالات الإنذار والحصار لا يؤدي إلى توقف عمل السلطات الدستورية للدولة هذه الحالة تنشر فورا بالجريدة الرسمية للدولة، كما تنشر في جميع المواقع الإعلامية العامة والخاصة التي تحدد لاحقا. وتدخل حيز النفاذ من لحظة نشرها. )المادة الثانية( وللتمييز بين الحالات الثلاث السابقة الذكر فإنه:

1- تعلن حالة الإنذار حسب المادة الرابعة في الحالات التالية: أ-حالة الكوارث الطبيعية أو الكوارث العامة، مثل الزلازل والفيضانات وحرائق المدن وحرائق الغابات أو الحوادث الواسعة النطاق. ب- الأزمات الصحية، مثل الأوبئة وحالات التلوث الخطيرة. ج-توقف الخدمات العامة الأساسية للمجتمع، د- حالات النقص في الضروريات الأساسية.

2- أما حالة الاستثناء، فيتم إعلانها-حسب الفقرة الأولى من المادة 13- عند عدم قدرة السلطات على حماية حقوق المواطنين وحرياتهم بحرية، وحماية أداء المؤسسات الديمقراطية، وأداء الخدمات العامة الأساسية للمجتمع، أو أي جانب آخر من جوانب النظام العام، كما يصبح لزاما وفقا للمادة 116 الدستور، أن تطلب الحكومة من مجلس النواب الإذن بإعلانها.

3- وطبقا للفقرة الأولى من المادة 32: فإن إسبانيا تعلن حالة الحصار عندما يتعلق الأمر بعصيان أو عمل من أعمال القوة التي تهدد سيادة إسبانيا واستقلالها.

ولقد أعلنت اسبانيا بموجب المرسوم رقم 463/2020 الصادر يوم 14 مارس 2020 عن حالة الإنذار بسبب تفشي الوباء كوفيد 19، مرفوقا بجزاءات صارمة في حق كل من لا يمتثل لأوامر السلطات المختصة وفقا للمادة 10 من القانون رقم 4/1981 .

لكن اتفاق الفرقاء السياسيين وأحزاب الأغلبية والمعارضة والمجتمع المدني الإسباني في بادئ الأمر، سيتحول إلى نقاش سياسي وقانوني، عبر من خلاله باحثون كثر أنهم أمام حالة استثناء وليس حالة إنذار. فإن كانت حالة الإنذار لا تسمح للدولة بالاعتداء على الحقوق الأساسية للمواطنين. إلا أن واقعة torrevieja التي تتعلق بنشر مواطن إسباني مقطع فيديو مسجل من بيته يهدد ساكنة بلدته ب الوباء حاملا إياه من العاصمة مدريد، والذي تم اعتقاله فورا من قبل السلطات المحلية ونفيه خارج تراب طوريبييخا ،كانت النقطة التي أفاضت الكأس؛ حيث أكد بعض القضاة مدافعين عن المتهم، أن حالة الإنذار لا تفرض قيودا على المواطنين داخل بيوتهم بل خارجها، ثانيا؛ أن مقطع الفيديو لا يشكل تهديدا للمواطنين إنما هو مجرد تسجيل عادي، ليستمر النقاش الفقهي الدستوري والقانوني حول مدى تجريد المواطنين من ممارسة حقوقهم وحرياتهم التي شملت حتى حرمة المنازل، دون مرجعيات قانونية؟.

حالتا الإنذار تتصادف مع حكومة الاشتراكيين ساباطيرو وسانشيس
أعلنت حكومة إسبانيا عن تطبيق حالة الإنذار للمرة الأولى منذ عودة حكم النظام الديمقراطي في 3 دجنبر2010 في جميع أنحاء التراب الوطني بسبب إغلاق المجال الجوي بسبب إضراب همجي من طرف المراقبين ،حيث ألحق هذا الحدث أضرارا جسيمة بالمواطنين واقتصاد البلاد. وتأثر أكثر من 600000 شخص مما يعني خسارة الأعمال التجارية للشركات المكرسة للسياحة. لذا، فإن الحكومة، بموجب المادة 11 من القانون التنظيمي رقم 4/1981استمرت حتى 16 يناير 2011 في حالة إنذار خاص.

كما أعلنت الحكومة الاسبانية حالة الطوارئ يوم 14 مارس2020 لمواجهة تفشي فيروس كورونا-كوفيد19،التي أودت بحياة أكثر من 19.478 شخص ،حيث وافق البرلمان على تمديدها لأسبوعين، خلال جلسة شهدت حضور 44 نائبا من أصل 350 لمقر البرلمان، فيما صوت الباقون عن بعد.

حيث أقر مجلس الوزراء الفترة الأولى، التي كانت من المفترض أن تنتهي يوم 29 مارس، لكن بعد موافقة البرلمان على تمديدها لفترة ثانية مدتها أسبوعان، فإنها استمرت حتى 11 أبريل.كما وافق على التمديد في جلسة البرلمان، 321 نائبا، وامتنع عن التصويت 28، فيما عارضها نائب واحد.

وخففت السلطات الإسبانية يوم 13 أبريل 2020بعض القيود التي فرضت من جراء الوباء، وعادت بعض القطاعات إلى العمل مثل البناء والصناعة.

إلا أن بعض أحزاب اليمين وخاصة في الأقاليم المستقلة، كانت ضد اتخاذ هذا القرار.كما أن بعض الجهات كمدريد ومرشيا وباسك لن تطبق اتفاقية الحكومة بنهاية الدورة التعليمية و اجتياز امتحانات البكالوريا.
فهل أخطأ سانشيز في هذه القرارات خصوصا أنه لم يستطيع تشكيل الحكومة إلا بعد عناء طويل؟