بقلم ياسين الحسناوي
معاهدة مراكش الموقعة في 17 فبراير 1989 كانت ولا تزال أحد أبرز الجهود التأسيسية لبناء اتحاد المغرب العربي، هدفها الأساسي تعزيز التعاون بين الدول الأعضاء على أسس الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وهذه المادة تُلزم الدول الأعضاء بعدم السماح بأي نشاط يمس أمن أو وحدة أو استقلال أي دولة عضو أخرى.
ومع ذلك، يبدو أن الجزائر تنتهك هذا الالتزام بشكل صارخ، سواء من خلال احتضانها المستمر لجبهة البوليساريو الانفصالية، أو عبر دعمها العلني وغير المباشر لتحركات تهدد وحدة المغرب وتهدف الى تمزيق البلاد بين الريف والوسط والصحراء.
آخر هذه التصرفات تمثل في السماح لانفصاليين مغاربة من منطقة الريف بتنظيم ندوة صحفية على أراضيها، في خطوة استفزازية تتناقض بشكل واضح مع بنود المعاهدة سالفة الذكر.
وإذا كانت الجزائر قد وقعت على هذه المعاهدة، فلماذا تتبنى سياسات وممارسات تهدم أسسها؟ يبدو أن نظام الكابرانات يعاني من أزمة هوية سياسية، فهو يروج لنفسه كمدافع عن سيادة الدول واحترام المواثيق، لكنه في الواقع يعمل عكس ذلك تمامًا.
من ناحية، يدّعي الالتزام بالشرعية الدولية ويدعو إلى احترام الحدود الوطنية، ومن ناحية أخرى، يقدم الدعم السياسي والمالي واللوجستي لجبهة البوليساريو، متجاهلًا حقيقة أن هذه الجبهة تهدد الأمن والاستقرار في المنطقة، إضافة إلى ذلك، احتضان حركات انفصالية مغربية يُظهر بوضوح ازدواجية المواقف وتناقضها مع روح التعاون المنصوص عليها في المعاهدة.
لماذا لا تنسحب الجزائر من المعاهدة؟
السؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا لا يمتلك النظام الجزائري الشجاعة الكافية ليعلن انسحابه من معاهدة مراكش؟ انسحاب كهذا سيكون على الأقل خيارًا صريحًا يتماشى مع أفعاله، بدلًا من الاستمرار في انتهاكها دون مواجهة العواقب.
لكن يبدو أن “قادة جارة السوء” يفضلون البقاء في حالة من “النفاق السياسي”، مستفيدين من المعاهدة لتقديم أنفسهم كطرف مسؤول في المحافل الإقليمية والدولية، بينما يواصلون انتهاكاتهم التي تهدف إلى زعزعة استقرار الجيران.
ما يفعله قادة الجزائر اللقيطة ليس مجرد انتهاك لمعاهدة مراكش، بل هو خيانة للعهود والمواثيق التي تعد أساس العلاقات الدولية، ومثل هذه التصرفات لا تؤدي فقط إلى تعميق الخلافات بين الدول المغاربية، بل تساهم في إضعاف حلم الاتحاد، وهو حلم يتطلع إليه ملايين المواطنين في المنطقة.
وإذا كانت الجزائر حقًا تؤمن بمبادئ معاهدة مراكش، فعليها أن تثبت ذلك من خلال أفعالها، وليس مجرد تصريحاتها، وإذا لم تكن مستعدة للالتزام، فإن انسحابها سيكون أكثر احترامًا من الاستمرار في سياسة النفاق والانتهاكات المتكررة.