المغرب أمام مفترق طرق: هل نغتنم الفرصة الأمريكية؟

7 أبريل، 2025 - 16:22 الرئيسية تابعونا على Lwatan

في عالم تتغير فيه خريطة الاقتصاد العالمي بشكل متسارع، لا تأتي الفرص الاستراتيجية كثيرًا، ولا تستمر طويلًا حين تُتاح، ومن هذا المنطلق، يُمكن قراءة القرار الأمريكي الأخير بفرض تعريفات جمركية جديدة على وارداتها من عدد من دول العالم، مع استثناء المغرب من الرسوم الباهظة، وفرض نسبة جمركية “مميزة” لا تتجاوز 10٪ فقط على المنتجات المغربية مقارنةً مع ما فُرض على دول كبرى كالصين وكندا والاتحاد الاوروبي، تبدو هذه النسبة أشبه بدعوة مفتوحة للمغرب كي يلعب دورًا أكبر على مسرح التصنيع العالمي.

فهل يُدرك المغرب حجم هذه الفرصة؟ وهل نملك الإمكانات والرؤية السياسية والاقتصادية لتحويل هذا الامتياز الظرفي إلى مكسب استراتيجي طويل الأمد؟

فالامتياز الجمركي الذي منحته الولايات المتحدة للمغرب ليس صدفة ولا مجاملة دبلوماسية، بل هو اعتراف ضمني بالاستقرار السياسي والاقتصادي النسبي الذي يميز المملكة مقارنة بالعديد من الشركاء التقليديين لواشنطن.

ومع احتدام الصراع التجاري الأمريكي-الصيني، وتزايد رغبة الشركات الأمريكية في تنويع سلاسل التوريد وتقليل التكاليف الجمركية، يُصبح المغرب خيارًا منطقيًا لتوطين الصناعات وإعادة توجيه خطوط الإنتاج.

هنا لا نتحدث فقط عن زيادة في حجم التبادل التجاري بين المغرب والولايات المتحدة، بل عن إمكانات حقيقية لتحويل المغرب إلى منصة إقليمية للصناعات الموجهة للتصدير نحو السوق الأمريكية، مع مزايا تنافسية يصعب أن تتكرر: موقع جغرافي قريب من أوروبا وأمريكا، اتفاقيات تبادل حر قائمة مع الطرفين، استقرار سياسي، وتقدم لافت في البنية التحتية.

الفرصة وحدها لا تكفي، فالمغرب مطالب اليوم باتخاذ خطوات عملية وشجاعة لتحويل هذا الظرف التجاري المواتي إلى مكسب اقتصادي طويل المدى، وأول هذه الخطوات هو تطوير سياسة صناعية مرنة وموجهة نحو التصدير، تُراعي المتغيرات الجيو-اقتصادية، وتستهدف الصناعات التي تبحث عن ملاذ جديد خارج آسيا.

كما يجب تعزيز البنية التحتية للمناطق الصناعية وتوسيع التجهيزات اللوجستية، خاصة في مناطق مثل طنجة، القنيطرة، والدار البيضاء، فالمملكة تمتلك موانئ من الطراز العالمي مثل “ميناء طنجة المتوسط”، تقريبا تدشين ميناء الناظور المتوسطي، وهو ما يمنحها تفوقًا على منافسين آخرين في القارة الإفريقية.

من جهة أخرى، من الضروري إعادة النظر في قوانين الاستثمار، وتقديم حوافز ضريبية وجمركية أكثر جاذبية لجلب الشركات متعددة الجنسيات، خصوصًا تلك التي تبحث عن بيئة إنتاج قريبة من السوق الأمريكية دون تكاليف جمركية عالية.

ولا يمكن إغفال أن هذه التطورات تأتي في وقت تواجه فيه دول مثل الصين وكندا إجراءات جمركية أكثر صرامة من الجانب الأمريكي، فيما الشركات الأمريكية التي لطالما اعتمدت على التصنيع في الصين بدأت بالفعل في البحث عن بدائل أقل تكلفة وأكثر أمانًا سياسيًا، وقد تكون دول مثل فيتنام، المكسيك، والمغرب من أبرز الخيارات المطروحة.

لكن ما يميز المغرب عن هذه الدول هو قدرته على الجمع بين المزايا الإفريقية والأوروبية والأطلسية في آنٍ واحد، إلى جانب منظومة لوجستية متطورة، واتفاقيات تبادل حر متعددة الأطراف، خاصة اتفاقية التبادل الحر مع الولايات المتحدة التي تعزز فرص الانفتاح والتصدير بشكل قانوني ومرن.

الفرص الكبيرة لا تأتي كثيرًا، لكن الأهم من قدومها هو الاستعداد لاستقبالها، والمغرب أمام لحظة تاريخية حقيقية لإعادة تعريف موقعه الاقتصادي على خريطة العالم، وتثبيت قدميه كمحور صناعي وتجاري بين إفريقيا وأوروبا وأمريكا.

فهل نرى حراكًا سياسيًا واقتصاديًا مواكبًا لهذه التحولات؟ هل تتحرك الحكومة لتسهيل توطين الصناعات؟ وهل يدرك صانع القرار أن الوقت قد حان للعب أدوار أكبر؟

ويبقى السؤال الأهم: هل نحن جاهزون لصناعته؟