تبدو مدينة بني انصار، في شموخها وجمالها، كعروس خجولة وقوية في حفل زفافها. فهي لا تحتاج إلى دعم أفراد أسرتها الأشداء المرابطين للدفاع عنها، بقدر حاجتها إلى من يشد أزرها، ويقودها إلى مستقبل يضمن العيش لأبنائها في المستقبل.
بني أنصار مدينة جميلة، تمنح الحياة في شوارعها الطمأنينة في النفوس. فالجبال الشاهقة والبحر الأبيض المتوسط يحيطان بها من كل الجهات، لترسما لوحة فنية خلابة. كما أن سكانها تطبعوا بتفردهم، فهم يستقبلون الزوار بفرح، ويفتخرون بتاريخ أجدادهم في الدفاع عن الوطن. وتجدهم متأهبين للذود عن مدينتهم، التي تقع في تماس مع مليلية المحتلة.
يستيقظ منتخبو بلدية بني انصار، كل يوم، رافعين شعاري النصر والتحدي، فالطريق إلى مقر البلدية بمحاذاة السياج الحديدي، الذي يفصل المدينة عن مليلية المحتلة، لذلك تحدوهم الرغبة في تدبير الشأن المحلي بهمة، حتى تنافس مدينة أجدادهم ما وصلت إليه مليلية.
ويعترف محمد أهلال، النائب الأول لرئيس بلدية بني أنصار، أن المدينة تتأهب لمستقبل يضمن العيش الكريم لسكانها، شريطة تجاوز بعض العراقيل وضخ مبالغ مالية مهمة في ميزانيتها، فالرغبة في جعل بني انصار بوابة إفريقيا للأوربيين أو العكس، ليس مستحيلا لأبنائها الذين قاوموا المستعمر الإسباني ويواجهون، الآن، تحديات التنمية المحلية بكل إصرار.
خطط مجلس بني أنصار إستراتيجيته، حتى تتلاءم وخصوصية المنطقة وطبيعتها الجغرافية وإمكانياتها الاقتصادية، والرهان على أن تصبح نقطة جذب تجارية، بعد الموافقة على إحداث منطقة حرة، ومشاريع أخرى ضخمة في القطاع السياحي.
يعدد أهلال إنجازات مجلس المدينة، فيتحدث عن مد 60 كيلومترا من قنوات الواد الحار، و20 كيلومترا من الماء الصالح للشرب، إضافة إلى صيانة القنوات القديمة، إلى جانب بناء دار الشباب، بعد تخصيص المجلس 150 مليونا لتشييدها، وجعلها من أحدث المؤسسات الشبابية على الصعيد الوطني، وبناء قاعة مغطاة بمواصفات دولية يجعل المدينة قادرة على احتضان جميع الأنشطة الوطنية، وحتى الدولية، وبناء مركز للتكوين المهني بقيمة مالية وصلت إلى 500 مليون، ومستشفى ب600 مليون، وأربعة ملاعب للقرب، في انتظار الانتهاء من أشغال ملعب آخر، في حين يستمر حلم بناء ملعب بلدي خصص له المجلس مليارين، إلا أن مشكل العقار حال دون تنفيذ المشروع، إضافة إلى قرب الانتهاء من مشروع تصفية المياه العادمة الذي كلف 13 مليارا، ويعد ثالث مشروع على الصعيد الوطني، وسيمكن من استغلال مياهه في سقي الحدائق.
يشعر المنتخبون في بني أنصار بالفخر مع قرب انتهاء الأشغال لبناء مقر جديد للبلدية خصص له مبلغ ب560 مليون، فموقع المشروع إستراتيجي ويطل على مليلية المحتلة وينافس بناياتها الحكومية الشاهقة، كما أنه شيد ليصبح من أكبر البلديات بإقليم الناظور، إضافة إلى تجهيزه بالتكنولوجيا الحديثة، ومنها اقتناء “إنسان آلي” لاستقبال المرتفقين.
ويفتخر المجلس نفسه بمشروع بناء ثاني أكبر سوق للسمك وطنيا بمعايير دولية على مساحة هكتارين، ما من شأنه أن يجعل المدينة قطبا في قطاع الصيد، إذ سيستقبل شاحنات الأسماك من جميع الموانئ، ويعيد توزيعها على المناطق الداخلية أو تصديرها إلى الخارج.
يؤمن أعضاء مكتب المجلس البلدي أن إحداث منطقة حرة سيشكل طفرة للإقلاع الاقتصادي، إذ ستمكن من جذب المستثمرين وتشغيل آلاف الشباب، كما ستنهي بشكل حاسم مشاكل التهريب، ف”بني أنصار بوابة إفريقيا، وستسمح إقامة المنطقة الحرة على مساحة 55 هكتارا قرب الميناء بأن تصبح نموذجا في التنمية ليس محليا فقط، بل وطنيا”، يقول نائب رئيس المجلس البلدي.
في الجانب السياحي، تتوفر المدينة على كل المؤهلات لتصبح وجهة سياحية على امتداد فصول السنة، خاصة أن الميناء وتجهيزاته وصناعاته الملوثة، سيتم نقلها إلى الميناء الجديد “الغرب المتوسطي”، ما سيجعل الميناء الحالي فضاء ترفيهيا يستقبل عشاق زوارق السياحة وباقي الأنشطة البحرية، أما في الجهة الأخرى (الجبال)، فالمجلس البلدي وضع دراسة لدى كل الجهات من أجل جعل منطقة “كوروكو” الجبلية فضاء للسياحة الجبلية، إذ أبدت إحدى شركات “تيليفريك”، الاستثمار في المنطقة، حتى تربط الجبل بمنطقة مارتشيكا، كما هو الشأن في أكادير، ويراهن المستشارون أنه في حال إنجاز المشروع وتشييد الطرق سيجعل بني أنصار تنافس أشهر المدن السياحية في إسبانيا مثلا.
أهلال: المشاريع تتطلب دعما حكوميا
قال محمد أهلال، النائب الأول لرئيس بلدية بني أنصار، إن إيقاف ما يصطلح عليه ب”التهريب المعيشي”، فتح المجال أمام نهضة بني أنصار اقتصادية، فالدولة جنت مداخيل كبيرة، والمدينة بدأت تستعيد حيويتها، ومن شأن الرفع من ميزانية المجلس أن يجعلها مدينة عصرية تتفوق بنياتها التحتية على مليلية المحتلة.
وشدد أهلال على أن إقامة منطقة حرة قادرة على جذب الاستثمارات، إضافة إلى الموافقة على كل المشاريع التي تتطلب دعما حكوميا أو جهويا لإحداث قطب سياحي.
وبخصوص العراقيل التي تواجه إحداث المشاريع في المدينة، كشف أهلال أن إحداث وكالة “مارتشيكا”، بهدف محاربة التهميش، لم يؤت ثماره، فالوكالة تأسست بقانون خاص ومنحت ميزانية كبيرة لجعل المنطقة سياحية، وقاطرة تحتذي بها دول إفريقية عديدة. وقال أهلال:”الوكالة لم تحقق كل تلك الطموحات، لأسباب نجهلها، والوضعية الحالية جعلت بني أنصار مقسمة إلى شطرين، إذ تكفي الإشارة إلى أن ثلاثة أحياء لم تستفد من مشاريع البنية التحتية، مثل باقي الأحياء التي تنتمي إلى المجلس، لسبب بسيط أنها تابعة ل”مارتشيكا”، وما زلنا ننتظر منها أن تولي الأهمية للأحياء السكنية بتزويدها بالبنية التحتية، خاصة قنوات الصرف الصحي والطرق المعبدة، ففي الوقت الذي كنا نعتقد أن السكان القاطنين بمنطقة “مارتشيكا” سيستفيدون من بنيات تحتية أكثر من غيرهم، إلا أن العكس حدث”.
وقال أهلال :”إن حاجيات 60 ألف نسمة يقطنون ببني أنصار، والتحاق جماعة أخرى بالبلدية، أدت إلى إرهاق الميزانية وإنجاز المشاريع الكبرى”، ناهيك أن مقارنة ميزانية المدينة مع مليلية المحتلة مستحيلة، لكن نعتبر أنفسنا جنودا للدولة، وأجدادنا حاربوا الاستعمار ومازلنا على العهد، ويستحق هؤلاء الجنود أن تشمل منطقتهم بعض الاهتمام، فلا يعقل أن يتشبث سكان المدينة بها وأبواب مليلية مفتوحة أمامهم”.
عقيد: إسبانيا تحاربنا
أوضح عبد الحميد عقيد، نائب رئيس بلدية بني أنصار، أن المدينة تواجه “حربا” من السلطات الإسبانية المحتلة لمليلية، مشيرا إلى أن المنطقة تحتاج إلى مشاريع كبرى لمواجهة السعي الإسباني لخنق اقتصاد المدينة، فبني أنصار منطقة حساسة، ويجب إيلاؤها الأهمية، خاصة أن كل سكانها يثمنون سياسة الدولة، سواء تعلق الأمر بإغلاق الحدود أو وقف التهريب المعيشي، لكن بالمقابل يجب أن تمنح مدينتهم الأولوية، لا تهميشها.
الصغير: عودة التهريب “نكسة” للاقتصاد
ذكر محمد الصغير، نائب رئيس بلدية بني أنصار، أن التحاق فرخانة في 2009 ببلدية بني نصار، أدى إلى ارتفاع مشاكل المدينة، مشيرا، في الوقت نفسه، إلى أن وجودها في منطقة حساسة وتطل على البحر الأبيض المتوسط منحها مكانة إستراتيجية، كما اندرجت ضمن البرامج الملكية لجعلها قطبا تجاريا وسياحيا قادر اعلى مواجهة تحديات التهريب، ومحاربة كل أشكال مظاهر الفقر.
وحذر الصغير من عودة التهريب، موضحا أن تجار مليلية المحتلة تنفسوا، في الآونة الأخيرة، الصعداء، بعد الحديث عن تسهيلات لتهريب سلعهم، مما قد يؤدي إلى “نكسة” اقتصادية في المنطقة، مشيرا إلى عودة طوابير السيارات إلى “باب مليلية”، وحجز بعض السلع المهربة، داعيا الجهات المسؤولة إلى التدخل بوسائلها لمنع المهربين وحفظ كرامة المغاربة من الضرب والإهانات على الحدود الوهمية.
وقال الصغير :” إن السلطات الإسبانية قامت بتثبيت كاميرات على طول الحدود الوهمية، وهدفها مراقبة عناصر السلطات المغربية وبث فيديوهات للتشهير بها، علما أن منابرها الإعلامية لم تبث ولو لقطة واحدة عن تجاوزات عناصرها في حق المغاربة”.
أوعاس: بوقانا نقطة سوداء
قال، عمرو أوعاس نائب رئيس المجلس البلدي لبني أنصار، إن شبه جزيرة بوقانا جمال ملهم قل نظيره، يجمع بين مياه البحر الأبيض المتوسط وبحيرة “مارتشيكا”، فهي تقع على الساحل الشمالي للحدود المغربية الإسبانية، إلا أن هذه المنطقة رغم موقعها الإستراتيجي ستظل مهمشة إلى أن تتم تهيئتها، إذ تبنت وكالة “مارتشيكا” مهمة تهيئة الشريط الساحلي بوقانا، إلا أن الوضع مازال على حاله، إن لم نقل قد ازداد سوءا، فهو يفتقر إلى بنية تحتية، حيث لم يتم استكمال تعبيد الطرق وتوسيعها، إضافة إلى عدم إنشاء أي مرافق سياحية أو استثمارية. وأوضح أوعاس أنه في ظل الظروف التي يعيشها السكان (غلق الحدود الوهمية)، أضحى من الضروري توفير فرص شغل لهم، علما أنها كانت تعتمد على التهريب المعيشي مصدرا أساسيا لقوتها اليومي، مشيرا إلى أن أعضاء بلدية بني أنصار يوافقون الحكومة في توجهاتها الإصلاحية، لكنهم يؤكدون على ضرورة توفير بديل يرفع عن شباب المنطقة الهشاشة والبطالة.
وأشار أوعاس إلى أن منطقة “بوقانا” كانت تدر مداخيل مهمة للجماعة تصل نسبتها إلى مليون سنتيم في اليوم الواحد صيفا، وبعد تبني وكالة مارتشيكا تهيئة المنطقة لم يعد ذلك ممكنا، بل أضحت نقطة سوداء عشوائية ويعمها الركود الاقتصادي. و لم تكتف الوكالة، حسب أوعاس، بذلك بل تسعى إلى ضم منطقة حي “مولاريس” التي تقع على الحدود الوهمية لمدينة مليلية المحتلة.
الصباح