بقلم محمد الورياشي.
لاحديث إلا عن إرتفاع الأسعار والغلاء والثراء والإثراء الغير مشروع، ولا حديث في مختلف الأوساط إلا عن جدوى لجان المراقبة المختلطة التي جرى تفعيل أدوارها على مستوى عمالات أقاليم المملكة ، ولا حديث إلا عن المغرب الذي نريد ..فهل حقا أن هذا هو الأحسن الذي نستحق ؟ وهل نحن بصدد عمليات إعادة التربية ؟ وهل نحن حقا “مداويخ” ؟ أسئلة عدة تطرح في كل مجلس وفي كل بيت بعد تسجيل إنهيار القدرة الشرائية، مقابل تسجيل إرتفاع حجم الإيرادات والمداخيل عند البعض وعلى رأسهم رئيس الحكومة الذي كان المغاربة ينتظرون بركاته بإعتباره من كبار أثرياء المغرب وأفريقيا ، بمعنى “مامخصوصش” بالعامية المغربية…
تجدني مجددا أنخرط بدوري في إبداء الرأي بخصوص لهيب أسعار المواد الغدائية وما يصاحبه من إرتفاع في نسبة الضغط و”السعار” الذي أصاب الطبقات المتوسطة والفقيرة في الوقت الذي كشف تقرير حديث أن عدد الأثرياء بالمغرب في ارتفاع ملحوظ محتلا بذالك الرتبة الخامسة بإفريقيا ، مسجلا أن عدد الأثرياء في البلاد ارتفع بنسبة 28 بالمائة من 2012 إلى 2022، مشيرا إلى أن المملكة تضم أكثر من 5800 شخص تفوق ثروتهم مليون دولار، أي حوالي مليار سنتيم، و28 شخصا تفوق ثروتهم 100 مليون دولار، أي أكثر من 100 مليار سنتيم، وأربعة أشخاص تفوق ثروتهم مليار دولار.
بهاته الإشارة لا يسعني إلا أن أتمنى أن يتربع أثرياء المملكة على عرش أثرياء العالم ، لكن شرط أن لا يكون ذالك على حساب فقراء هذا البلد ممن يشكلون غالبيته الساحقة والمسحوقة ، فبعيدا عن الحسد والحاسدين ومن منطلق الإجماع الدولي بوجود أزمات مالية وإقتصادية ساهمت في تراجع الثروة عند كبار رجال المال والأعمال على المستوى العالمي وهو ما تؤكده تقارير حديثة الصدور، نجد العكس بالنسبة لأثرياء هذا البلد وهنا أتساءل هل هذا يعني أن إقتصادنا أكبر من إقتصاديات كبريات البلدان ؟ وهل هذا يعني أننا في منأى عن الأزمة العالمية وما أحدثته من متغيرات جعلت شعوبا تخرج للإحتجاج على سياسات التقشف ؟.
إن إرتباطنا بإقتصاد بلدان تعيش أزمات يجعلنا نشكك في مصادر الثروة خصوصا وأننا نعيش في ظل إرتفاع صاروخي لمختلف المواد وضمنها الطاقية والغذائية بالرغم من إنخفاظ تكلفتها بالسوق الدولية ، هذا إلى جانب ما تتناقله مصادر إعلامية تفيد النهب والسرقة والإستيلاء وغيرها من الجرائم المقترفة بطريقة متسارعة ومتكررة تطرح بدورها أكثر من علامة إستفهام .
وبالعودة لموضوع الغلاء في علاقته ب”تحركات الحكومة لإحتوائه والحد من مسبباته وتبعاته” والتضارب الحاصل في القراءات والآراء والمواقف والذي بلغ مكونات الأغلبية الحكومية التي يبدوا أنها أضاعت البوصلة، وإستحال عليها العودة إلى ماكان عليه الحال في عهد حكومة الإسلاميين، يتضح جليا السر الكامن وراء إرتفاع الثراء وتراجع مؤشر السعادة وإرتفاع الفقر والضيق والضغط والإنتحار والسخط والكره لهذا البلد ومسؤوليه وإتساع دائرة الراغبين في هجرانه وهنا مربط الفرس ومكمن الخطورة .
إن إنتعاشة المحتكرين للسلع والمضاربين بموازاة مع عدم التدخل الجدي للمسؤولين والإقتصار على حملات محتشمة في إطار عمليات در المزيد من الرماد على أعين ذات أبعاد.. ثاقبة.. تعرف جيدا ملامح مغتصب ثرواتها وحقوقها .تعرف محازن السلع التي تتحاشى ولوج أسواق الجملة وهي المخازن المنتشرة بكثرة في مجموعة من المدن المغربية وضمنها الناظور التي زادها الغلاء بؤسا في ظل غياب تدخلات حقيقية تروم إعادة العافية لهذا التراب الذي هجره أبناءه وتحولت المدينة إلى مدينة أشباح بعد أن جرى الإستيلاء على أطرافها وتحولت إلى ما يشبه المزبلة تحوي العاهات ويلجها من مختلف الإتجاهات العالة من الناس في غياب شبه كلي لذوي الضمائر الحية بعد إفراغ الساحة من الغيورين ممن كانت تصدح حناجرهم وتتعالى كتاباتهم ويشغلهم التفكير بمستقبل أبنائهم بمدينتهم …
إنه الواقع المر الذي لن يغطيه غربال الحكومة ومناصريها من الأبواق المؤجورة، إنه الواقع الذي رفع من عدد مليارديرات البلد وأعدم الطبقة الوسطى ..
إن واقع الحال محليا وإسقاطه على الوطني تؤكد مصادر الثراء عند الغالبية العظمى من أثرياءنا ممن يجهل أصلهم وفصلهم ليصبحوا بين عشية وضحاها من أعيان المدينة ، إني وغيري نعرف مصدر ثروات غالبية “أعيان” مدينة الناظور ، منهم من تاجر ويتاجر في المخدرات ومنهم من تاجر في الدماء ومنهم من تاجر في البشر ومنهم من نشط في مجال التهريب ومنهم من إستولى على حقوق الورثة ومنهم من إستولى على عقارات وممتلكات الغير ومنهم …ومنهم … ومنهم..ليبقى العنوان الأبرز هو الإتجار في المأسات إنهم تجار المآسي المحتكرون والمضاربون والسماسرة ممن أعماهم الجشع بدعم ومشاركة من المسؤولين بطبيعة الحال .
فلن نكون في مأمن مما تشهده العديد من الدول المتقدمة ولن نكون أفضل من حالها بعد الأزمات الإقتصادية والإجتماعية التي إجتاحتها لعوامل إقتصادية وسياسية دولية ، لن يطول الإنتظار في ظل الإتساع الحاصل لدائرة الغاضبين الساخطين ولن يجدينا القمع آنذاك نفعا …
فشلت الحكومة في تدبير مختلف الأزمات وأصبحنا نادمين عن أفعال سابقيها من حكومات “الزمن الجميل” في حق هذا الشعب المسالم والمهادن …
إننا وبكل إخلاص نأمل صادقين ودون حسابات سياسية أو تحامل على أي كان أن يتدخل كعادته جلالة الملك لقيادة ثورة للكشف عن مصادر الثروة وكالعادة سنكون جندا مجندين وراءه بكل تلقائية وعفوية لأننا وبكل بساطة سئمنا الإنتظار ..إنتظار التغيير وإنتظار المحاسبة وإنتظار العدالة الإجتماعية والمجالية وإنتظار الذي قد يأتي أو لا يأتي.
وفي الأخير لا يسعني سوى أن أدعوا الله أن يمنحنا صبر أيوب وعصا سيدنا موسى أوسفينة سيدنا نوح وأن يجعل هذا البلد آمنا رغما عن الأوضاع التي لا تبشر بالخير ولا يجعل الغلاء أكبر همنا وغمنا …