أنمون/متابعة
يتذكر الحاج امحنذ بالكثير من الأسى سنوات السبعينات والثمانينات، حين كانت حافلة “ك.و.أ” تحمل الناظوريين من المحطة القديمة وسط الناظور، وتسير بهم نحو “بلاصا دي اسبانيا” في مليلية، حينها لم تكن هناك أي إجراءات معقدة للدخول حسب الحاج امحنذ.
ويضيف ل”كود” :” كنا نركب في الحافلة، وحين نصل للحدود التي لم تكن حدودا بالمعنى الحرفي، كان يصعد لصدر الحافلة شرطي يسلم علينا، يضحك معنا ثم ينزل وتواصل الحافلة طريقها لوسط مليلية، كنا مثالا للتعايش بين المسلمين واليهود والمسيحيين، الآن تغير الأمر كثيرا، أصبح ولوج مليلية أكثر تعقيدا، وصار حسن الجوار يتضاءل سنة بعد أخرى”.
كانت طريقنا في “كود” إلى قلب مليلية للنبش حول حزب بوكس المتطرف وداعميه من المسلمين، تظهر جانبا مما قاله الحاج امحنذ، تعامل عنصري للشرطة الأسبانية مع المغاربة، أحد المواطنين المغاربة الذي منع من الدخول للثغر المحتل دون سبب واضح حاول أن يشرح للشرطي سبب دخوله، الأخير جره من ياقة قميصه ودفعه نحو باب الخروج؛ ليس هناك مجال للحوار، العنف فقط هو الوجه الآخر لشرطة الحدود.
كيف تنامى اليمين المتطرف؟
هذا السؤال هو الذي أصبح يؤرق بال المهاجرين الجدد، أو الذين يفكرون في الهجرة، كيف أصبح حزب بوكس بهذه القوة في مدة قصيرة؟، إنه شبيه بالإرهاب والمتشددين، بل إن غذاء اليمين المتطرف كان هو الإرهاب والإجرام، ثم تحول ليصبح وحشا يحصد بمخالبه الجميع دون تمييز.
وبينما يستطيع المرء أن يتفهم تصويت ودعم الأسبان لهذا الحزب، فإن تصويت مسلمي مليلية وسبتة له كان صادما، كيف لهؤلاء أن يدعموا حزبا يحث على الكراهية ضدهم؟، في الوقت الذي كان بإمكانهم التصويت لصالح أحزاب ذات مرجعية إسلامية، أو حتى أحزاب اليمين المعتدل.
القاصرون هم السبب
أحد مسلمي مليلية الذين التقتهم “كود”، والذي رفض ذكر إسمه إعترف بتصويته لحزب “بوكس”، ولذلك هو يرفض أن يعرف أي شخص هويته.
لم يتردد كثيرا في الاعتراف، بل أكد أن العديد من مسلمي مليلية مثله صوتوا لصالح حزب بوكس، ويرفضون الظهور في العلن، ودعم هذا الحزب علنيا لأنه يحارب الدين الإسلامي، أما غير ذلك فهم يوافقون كل أفكار.
ويزيد “م” قائلا ل”كود” :” أنا أملك حانة في مليلية، يقصدها الأسبان، ومنذ مدة صار عملي متضررا بسبب القاصرين المغاربة، إنهم يقفون أمام باب الحانة ويزعجون الزبناء، ويرفضون الذهاب، ومشكلتنا أننا لسنا في المغرب لذلك لا نستطيع تعنيفهم ليرحلوا، كما أننا حاولنا مرارا وتكرارا تقديم شكايات للشرطة التي تقف مكتوفة الأيدي لكون هؤلاء قاصرين ولا يمكنها اعتقالهم، حزب بوكس يتحدث عن الهجرة ويقدم حلولا ناجعة لها، أنتم في المغرب لا تعانون من هكذا مشاكل أما نحن هنا فنعاني منها بسبب أطفال جاؤوا لتغيير مستقبلهم، فجعلوا حاضرنا بائسا.”
لن أصوت لأحزاب تعادي المهاجرين
يرفض إدريس المزداد بمليلية الإفصاح عن الحزب الذي صوت لصالحه، وأكد في حديثه مع “كود”، أنه صوت للحزب الذي يقف إلى جانب الفقراء والأحزاب التي تطالب بالمساواة بين الرجل والمرأة بعدما صار الرجل متضررا ومستضعفا، كما أنه لا يمكنه التصويت لأحزاب تعادي المهاجرين، لكنه أكد أن هناك آخرون صوتوا لصالح حزب بوكس، بعضهم ندم على فعلته وبعضهم سيندم لاحقا.
ويعتقد إدريس أن أولئك الذي صوتوا لحزب بوكس لن يعترفوا أبدا، لكنهم صوتوا له لأنه حزب ذكي، فهو واضح تمام الوضوح، يعطي للناس إجابات واضحة على همومهم الكبرى، وحين يتحدث عن الهجرة فإنه يؤكد بأنه سيمنعها، سيمنع دخول الأجانب وسيحمي أراضيه وشعبه، زيادة على هذا فهو لا يطلب منك التصويت، هو يقوم بتوعية الناس بخطر المهاجرين، يزرع فيهم أولا الخوف من المهاجرين، ثم بعد ذلك يجعل الجميع يراه المنقذ في ظل عدم قدرة الأحزاب الأخرى على الحديث في هذا الملف.
لا أحب بوكس لكنني مجبر
مسلم آخر يرفض أن يعرف الناس هويته بسبب المشاكل التي سيلاقيها مع عائلته وأصدقاءه لتصويته على حزب متطرف، حيث يقول ل”كود”:” أنا لا أحب حزب بوكس، لكنني مثل الكثيرين مجبر على التصويت لهذا الحزب، نحن نعاني هنا في مليلية منذ سنوات مع المهاجرين، انضاف لهم الآن مشكل القاصرين وهو فضيع جدا، فهم يسرقون الناس، ويعتدون عليهم، والشرطة لا تستطيع فعل شيء، إن هذا شيء مخجل لأن الأحزاب الحاكمة ليست لديها الجرأة لإيقاف هذه المهزلة، أما حزب بوكس فإنه سيوقفها.”.
ويضيف حكيم ل”كود” ” هذا الحزب واضح تماما، لا يراوغ، ولهذا صوتت عليه لينهي معاناتنا، فهؤلاء القاصرين يضربون العجزة، ويسرقون الناس وحولوا مليلية لساحة إجرام وهذه المهزلة يجب أن يوضع لها حد، ولن يفعل ذلك سوى بوكس.
أرقام صادمة
في مليلية التي تبعد بمرمى حجر عن الناظور، أصبح حزب بوكس اليميني المتطرف واقعا لا يمكن إنكاره، فهو قوة سياسية نامية قد تتمكن عن قريب من حكم ثغر أغلبية سكانه مسلمين، وكل الوافدين عليه مغاربة، وعن كيف فاز بوكس ولماذا صوت له آلاف الأشخاص بمليلية، التقت “كود” بعبد المنعم شوقي رئيس اللجنة التنسيقية لفعاليات المجتمع المدني بشمال المغرب، والذي أكد أن الحزب الاشتراكي الذي حصل على الرتبة الأولى في إسبانيا، لم يستطع هزيمة بوكس في مليلية وحل خلفه بعدد أصوات تجاوز الخمسة الاف بقليل، فيما حصل بوكس على 5669، وأضاف أن تصويت الأسبان ومسلمي مليلية على حزب بوكس هو شبه عقاب للمغرب الذي تسبب للمدينة المحتلة في كساد تجاري كبير.
وزاد شوقي:” الذين صوتوا على حزب بوكس بمليلية تضرروا من إجراءات المغرب الرامية لمنع تهريب السلع ومنع مرور الحاويات التجارية، لذلك تصويتهم هو إجراء انتقامي بسبب المشاكل الاقتصادية التي يعانون منها.”
شوقي الذي كان قائدا لاحتجاجات ماراطونية ضد الأسبان سنة 2008 بعد اعتقال المستشار البرلماني يحيى يحيى في مليلية، حيث قام شوقي ومن معه من النشطاء بمنع دخول الخضر والأسماك ومواد البناء بمليلية، يؤكد أن المغرب تمكن من خنق مليلية اقتصاديا، والتجار المتضررون من هذا القرار لم يجدوا حرجا في التصويت لصالح بوكس ليس لأنه سيجعل حياتهم أفضل، بل لأنه سيواجه المغرب.
تصويت غير مفهوم
ليس المغاربة وبعض مسلمي مليلية وحدهم من صدموا من النتائج التي يحصلها حزب بوكس، بل إن الأسبان هم أيضا لم يتوقعوا الأمر.
السياسية الأسبانية المنتمية لحزب بوديموس “خيما كارولينا اغيلار”، أكدت في حديثها مع “كود” أن فوز اليمين المتطرف في سبتة وحصوله على الرتبة الثالثة في مليلية غير مفهوم، وأضافت “أولا علينا الحديث عمن لديه الحق في التصويت، في مليلية هناك 54 ألفا يحق لهم التصويت، المشكل أن هناك الكثير من الناس ليس لديهم الحق في التصويت، المغاربة المقيمين ليس لديهم هذا الحق حتى تمر على إقامتهم عشرون سنة ويحصلون على الجنسية.
وزادت خيما بأنه وقبل الحديث عن فوز بوكس يتوجب الحديث عن المهاجرين الأسبان في دول أخرى كألمانيا وفرنسا، والذين لا يصوتون.
خيما قالت أنه يحز في نفسها ما تراه في المعابر الحدودية بسبتة ومليلية، معتبرة أن ديكتاتورية فرانكو لا تزال متجدرة في هذه المعابر وأنه حتى رموز فرانكو وتماثيله لا تزال موجودة، وأضافت :” حين ترى هذه الأمور فإنه يحز في النفس أن تعرف بأن هناك من يصوت لصالح حزب بوكس”.
بوكس غير موجود في المشاكل الحقيقية
كلام خيما كارولينا يقابله كلام السياسي المسلم بسبتة محمد علي، الذي قال بأنه متفاجئ لفوز بوكس بسبتة، فالحزب اليميني المتطرف حسب كلامه غير موجود في المشاكل الحقيقية للمواطنين، ولا يهتم بمشاكل الفقر ومحاربته، كما لا يتحدث عن تجويد التعليم ولا الاهتمام بالقطاع الصحي، كل ما يهتم به بوكس هو معاداة المهاجرين، وبناء سور حول سبتة ومليلية.
أما فاطمة الزهراء وهي مهاجرة مغربية متزوجة وقاطنة بمورسيا فقد أكدت ل”كود” أن الكثير من المغاربة الحاصلين على الجنسية صوتوا لصالح حزب بوكس، وكان تصويتهم بهدف واحد هو عدم قدوم المزيد من المهاجرين ماداموا هم محميين وأصبحوا إسبانا.
عنصرية أبناء الجلدة
جل المسلمين والمغاربة ممن التقتهم “كود”، عبروا صراحة عن دعمهم لحزب بوكس ليس لأنه يقدم فرصا أفضل لحياة أكثر رفاهية، أو يجد حلولا للمشاكل الاقتصادية، بل فقط لأنه سيحارب القاصرين الأجانب، وسيحارب الهجرة.
في الوقت نفسه بعض الأسبان الذين التقتهم “كود”، عبروا عن امتعاضهم من بوكس وأكدوا أنهم يرفضون أفكار هذا الحزب.
هي إذن عنصرية أبناء الجلدة، أولئك الذين تمكنوا من الحصول على الجنسية، والذين يعتبرون أنفسهم في حصانة من أي طرد، صوتوا لصالح بوكس حتى يمنعوا قدوم المزيد من المغاربة، مبرراتهم في ذلك كانت بأن الاطفال المتشردين مشكل وآفة اجتماعية لن يحلها إلا بوكس، أو أن المهاجرين الجدد يسيؤون للمغاربة بجرائمهم وانعدام الأخلاق لديهم، مبررات يراها آخرون مجرد غطاء لإخفاء عنصريتهم اتجاه أبناء جلدتهم.
* تحقيق صحفي من إعداد كود/يونس افطيط