بتسجيل مدينة طنجة وحدها أمس الاثنين 110 حالات إصابة جديدة بفيروس كورونا، وتأكد وفاة 5 أشخاص في ظرف 24 ساعة، تكون حالة الذعر والحيرة التي يعيشها السكان منذ ما يقارب الأسبوعين قد وجدت مرة أخرى ما يبررها، في الوقت الذي لا تزال فيه السلطات المحلية ومصالح وزارة الصحة عاجزة عن تفسير ما يجري، ما يزيد الأمر تعقيدا.
ولم تعد مشاهد العشرات من المواطنين الذين يفترشون الأرض أمام مستشفى محمد السادس المخصص لاستقبال الحالات المؤكدة والمشكوك في إصابتها، وحدها التي تدل على تعقد الوضعية التي وصلت إليها المدينة، بل أيضا تراكم حالات المصابين الذين لا يستطيعون أساسا الوصول إلى المستشفى، والذين لا يجدون من يوجههم عبر الرقم الهاتفي المخصص في الأصل للحالات المشتبه في إصابتها، الأمر الذي نتج عنه تدهور الحالة الصحية للعديد من المصابين، بل ونقل العدوى إلى أقربائهم، وهو وضع يؤكد أن المدينة تدفع ضريبة تراكم مجموعة من الأخطاء في التعامل مع الوباء.
مستشفى وحيد
ويأتي على رأس تلك الأخطاء التي أثبتت الأيام أنها صعَّبت مهمة الأطقم الصحية في تطويق الجائحة، قرار وقف استقبال المرضى في مجموعة من المستشفيات العمومية والمصحات الخاصة والاكتفاء فقط بمستشفى محمد الخامس، وذلك على الرغم من أن جهة طنجة – تطوان – الحسيمة عموما كانت تسجل يوميا أعدادا كبيرة من الإصابات نتيجة ظهور بؤر صناعية مباشرة بعد عودة النشاط الاقتصادي.
وكان مستشفى محمد السادس مخصصا فقط للحالات المستعصية خلال الشهور الثلاثة الأولى للجائحة، في الوقت الذي كانت باقي الحالات تُوزع على مستشفى الدوق دي توفار ومستشفى القرطبي ومصحة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، بالإضافة إلى مصحات خاصة أخرى ووحدتين فندقيتين، إلى جانب توفير مستشفى ميداني احتياطي بالغابة الدبلوماسية، لكن السلطات قررت إلغاء الاستقبال بجل تلك الفضاءات، قبل أن تعود لتجهيز المستشفى الميداني ومصحة الضمان الاجتماعي مجددا بعدما عجز مستشفى محمد السادس وحده عن مواكبة الارتفاع الصاروخي في أعداد الإصابات، لكن ذلك لا يزال غير كاف إلى حدود الساعة.
أطباء دون علاج
وإلى جانب ذلك عانت المدينة أيضا من خصاص كبير في الأطقم الطبية وحتى في الأدوية ووسائل الحماية، إذ مع تزايد أعداد الإصابات نتيجة توالي البؤر الصناعية وتلك المسجلة داخل أحياء ذات كثافة سكانية عالية، لم يستطع أطر مستشفى محمد السادس تحمل الضغط الناتج عن تحول هذا المرفق الصحي إلى نقطة وحيدة لفرز الحالات، ما يفسر التأخر، أو العجز أحيانا، في إجراء التحاليل وكذا التأخر في ظهور النتائج، وهو الأمر الذي دفع مجموعة من الأطر إلى إطلاق نداءات لدعم القطاع الصحي بطنجة وإعادة تنظيم أجنحة مرضى “كوفيد 19”.
لكن الكارثة الأكبر التي عانى منها القطاع، والتي نتجت عن ضعف وسائل الحماية، كانت هي إصابة مجموعة من الأطر الطبية والتمريضية بالفيروس، لكن الأسوأ كان هو عجز وزارة الصحة عن توفير العلاج لمجموعة من هؤلاء، مثلما حدث بداية شهر يوليوز الجاري عندما تدهورت حالة بعض أطباء مستشفى محمد الخامس نتيجة نفاذ مخزون دواء “ديكساميثاسون” المستخدم في علاجهم، قبل أن يتم اللجوء لحل “ترقيعي” بجلب كمية من دواء جنيس لهذا العقار من مستشفى مدينة أصيلة.
البؤر الصناعية
وفي ظل عدم صدور أي تفسير رسمي من وزارة الصحة لما يجري في طنجة، يبقى جل السكان مقتنعين بأن أصل الداء كان هو السماح بعودة النشاط للمناطق الصناعية بوتيرة عالية مع وجود تقصير كبير من طرف الشركات في توفير ظروف الوقاية، وضعف المراقبة من لدن السلطات التي كان همها الأول هو عودة النشاط الاقتصادي، وهو الأمر الذي يجد ما يسنده في الأرقام المسجلة خلال الأسابيع الماضية، وخاصة الرقم القياسي من الإصابات داخل مصنع “رونو” ومجموعة من الشركات المتعاملة معه.
وعلى الرغم من إقرار وزير الشغل والإدماج المهني، محمد أمكراز، أمام مجلس النواب بتسجيل تجاوزات داخل مجموعة من مصانع طنجة، فإن سلطات طنجة لم تنتبه لحجم الكارثة إلا بعد تسجيل 173 إصابة بمصنع “رونو” في ظرف 48 ساعة أواخر الشهر الماضي، لتضطر بعدها إدارة المصنع إلى إعلان “إغلاق تقني” وفرضت على مستخدميها الخضوع للحجر المنزلي، لكن آنذاك كان قد جاء الدور على مصانع أخرى وأحياء شعبية يقطنها عاملون بالمناطق الصناعية لتسجل بؤرا جديدة.