رب ضارة نافعة، وإن كانت لجائحة فيروس كورونا المستجد من منافع، فأولها بلا شك أنه قد كشف لنا المواطن الصالح من الطالح، فخلال الأيام المعدودة على أصابع اليد الواحدة عن إعلان حكومة بلادنا فرض حالة الطوارئ الصحية حماية لصحة وسلامة المواطنين من تفشي كوفيد-19 الذي سبب ذعرا في مختلف ربوع المعمور، مخلفا خسائر في الأرواح وإنهيار في إقتصادات بلدان عدة من بينها ما لا يقل عن نصف دول الإتحاد الأوروبي، إنكشفت طينة الكثيرين في هذا الوطن العزيز.
وإلى حدود مطلع شهر مارس الجاري، كانت المنابر التلفزية والإذاعية والجرائد الورقية والصحف الإلكترونية والوسائط الإجتماعية تعج بتفاهة التافهين من أهل الفن على وجه الخصوص من مغنيين وكوميديين الذين كانوا يعيثون “الحموضة” والبهرجة بها، ويخلقون البوز فقط بما يضر البلاد والعباد ويتصدرون عناوين الصحف وتنجز عنهم الروبرطاجات في القنوات التلفزية… وها نحن اليوم، وبلادنا تمر من محنة قد تكون سابقة من نوعها منذ عقود من الزمن، ولا نرى لهاؤلاء وجود.
ففي زمن كورونا هذا، تجند الصالحون دفاعا عن مصلحة الوطن، إما من خلال المكوث في المنازل أخذا بتوصيات وزارتي الصحة والداخلية لمنع تفشي الفيروس بين المغاربة، وإما من خلال عدة مبادرات، مست الجانب الإنساني على وجه التحديد عبر مساعدة الفقراء والمعوزين الذين فقدوا مصادر قوتهم اليومي من جراء حظر التجوال المعلن ويعيشون حالة إقتصادية صعبة وظروف عيش مريرة، أو من خلال تسخير كل الإمكانيات لدعم ومساندة المواطنين، عبر مبادرات “خليك فدارك السخرة نجيبوها حتى لعندك” و توعية المواطنين بضرورة الإلتزام بالإرشادات الصحية وتوصيات الأوصياء على قطاع الصحة بالبلاد، معرضين أنفسهم لمخاطر عدة، وغيرها من المبادرات الكثيرة التي تعكس روح التضامن والتآزر الإجتماعيين اللتان تميزان الشعب المغربي قاطبة، لاسيما في الأوقات العصيبة… وكذا مساهمة الميسورين في صندوق تدبير الجائحة المستجدة والذي أمر جلالة الملك بإحداثه، دون أن نغفل مجهودات رجال الصحة بمختلف المستشفيات والمراكز الصحية الموزعة على كامل ربوع الوطن، لا سيما من هم الأن في الصفوف الأمامية لمكافحة الفيروس، بالإضافة إلى رجال الأمن والدرك والسلطات المحلية الذين يسهرون على توعية المواطنين وتحسيسهم بضرورة البقاء في منازلهم خلال هذه الفترة المهمة.
فكل التحايا إذًا، لكل المغاربة الذين يُسَاهمون فعليا في حصار فيروس أرعب العالم، وإنخراطهم جنبا إلى جنب مع المؤسسات الرسمية للدولة في تكثيف الجهود وتسخير الإمكانيات لحماية هذا البلد وشعبه، فنحن في سفينة واحدة إما أن ننجو جميعا أو نغرق جميعا، كما جاء على لسان وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت…، وكل الخزي والعار لكل “الشياطين لي خرجو من الجماعة” الذين شاركوا في مسيرات التكبير والتهليل في عدد من المدن قبل أيام ضاربين كل المجهودات المبذولة وقرار حظر التجوال عرض الحائط.
فقد إختفى التافهون، والإنتهازيون، والوصوليون الذين تواروا عن الأنظار بمجرد تسجيل الحالات الأولى المؤكدة بالمملكة، فلم نسمع لا مبادرات ولا مساهمات منهم إسوة بباقي بني جلدتهم، على الرغم من أنهم يتصدروا عناوين الصحف بخرجاتهم وإصداراتهم “الحامضة” الفارغة من القيم والمضمون والبعيدة كل البعد عن الفن والأقرب إلى العفن، بل وتجدهم يعتبرون أنفسهم أبطالا وسفراء للوطن خارج البلاد، ما فتئوا يعبرون عن وطنيتهم المزعومة من فوق المنصات التي يصعدونها لبث التفاهات والسخرية من “عباد الله” ليس إلا، والذين إستفادوا في كثير من الأحيان بدعم سخي من الأموال العمومية، التي كان من الأجدر تسخيرها في بناء المستشفيات ومعاهد تكوين الأطباء والمؤسسات التعليمية ودعم البحث العلمي.
وإنما عهد كورونا لمناسبة لرجال الإعلام والصحافة، من أجل تصحيح المسار وإعادة الإعتبار لرجالات هذا الوطن الحقيقيون، من العسكر المرابط على الحدود، ورجال الأمن والصحة والتعليم الساهرين على أمن وصحة وتعليم المواطنين، وكل المساهمين في الخطوات الايجابية من المواطنين ممن يؤمنون بالمواطنة الحقة، وأيضا لطمس مخلفات التافهات والتافهين الذين إختفوا كما تختفي القطط صبيحة كل يوم عيد الأضحى، فلم يتبقى منهم سوى تجار المأسي الذين عمدوا إلى رفع أسعار بعض المواد والسلع وبلا شك ستتعامل معهم السلطات بالكيفية اللازمة لردعهم في القريب العاجل، تماما كتعاملها مع كل من سولته نفسه خرق حظر التجوال وناشري الإشاعات الكاذبة.