عبد السلام بوطيب يكتب “لا تَتركوا المَغارِبَةَ!”.

28 ديسمبر، 2024 - 22:42 الرئيسية تابعونا على Lwatan

lwatan.com

بقلم عبد السلام بوطيب

كتبَ صديقي الدُّكتورُ الحُسَيْنُ شَعْبان، الكاتبُ والباحثُ العراقيُّ المتخصِّصُ في حُقوقِ الإنسانِ والعدالةِ الانتقاليةِ والبناءِ الدِّيموقراطيِّ، بتاريخِ 24 ديسَمبَر 2024، مقالًا تفاعليًّا مع نقاشٍ دارَ بيني وبينَهُ بمدينةِ مَكناسَ قبلَ سنواتٍ، بمناسبةِ حضورِهِ إلى فعالياتِ احتفالِ مركزِ الذّاكرةِ المُشتَرَكةِ من أجلِ الدِّيموقراطيّةِ والسِّلْمِ بحُلولِ السَّنَةِ الأمازيغيّةِ الجديدةِ.
وتجدَّدَ النِّقاشُ بمناسبةِ تكريمِهِ في أربيلَ من طرفِ مؤسَّسةِ الأميرةِ سُعادَ الصَّبّاحِ، وبدعمٍ من مجلّةِ “كُرونيكل” الكُرديّةِ، ما بينَ 16 و19 ديسَمبَر 2024، حولَ ما يُسَمِّيهُ هوَ ومجموعةُ السَّلامِ العربيِّ التي ينتمي إليها مؤسِّسًا، مع ثُلَّةٍ من كبارِ السِّياسيِّينَ والحُقوقيِّينَ والأكاديميِّينَ المُنتمينَ إلى منطقةِ شمالِ إفريقيا والشَّرقِ الأوسطِ، بـ”الدّعاماتِ الأربعِ” للوطنِ العربيِّ.
وعَنْوَنَ هذا المقالَ التَّفاعليَّ بـ”لا تَتركوا الأمازيغَ”، وقدِ استمَدَّ هذا العنوانَ من “الصَّرخةِ” التي أطلقتُها فيهِ، بأدبٍ واحترامٍ شديدَيْن، عندما لاحظتُ غيابَ حديثِهِ، ورِفاقِهِ، عن مُكوِّنٍ أساسيٍّ من منطقةِ شمالِ إفريقيا والشَّرقِ الأوسطِ، أي الأمازيغِ الذينَ أنحَدِرُ منهم.
إلّا أنّني بعدَ قراءتي لهذا المقالِ، الذي أجمعَ جميعُ من قرأَهُ أنّهُ مقالٌ عميقٌ ومُرصَّعٌ سياسيًّا وحقوقيًّا، لا تنقُصُهُ إلّا بعضُ المعلومات في التَّعاطي مع تجربةِ المغربِ لبناءِ هُويَّتِهِ الوطنيَّةِ، تَبَيَّنَ لي أنّ طلبي، لاعتباراتٍ تاريخيَّةٍ، وسياسيَّةٍ، وحقوقيَّةٍ، ونضاليَّةٍ مرتبطةٍ، أولا، بصيرورةِ بناءِ وحدةٍ وهويَّةٍ للشَّعبِ المغربيِّ، والاعترافِ دُستوريًّا بجميعِ مُكوِّناتِهِ الإثنيَّةِ والدِّينيَّةِ وغيرِها، وثانيا، بنضال الفاعليات الحقوقية و السياسية في منطقة شمال افريقيا غرب مصر من أجل الديمقراطية و حقوق الانسان، والاعتراف بالمكونات المتعددة لأوطان المنطقة، لم يكن دقيقًا – وأنا أتحدَّثُ مع مُفكِّرٍ مهووسٍ بالتَّفكيرِ في صِيَغِ إعادةِ بناءِ المنطقةِ بعيدًا عن الأوهامِ العِرقيَّةِ والأيديولوجيَّةِ، وهيَ المنطقةُ التي تعرفُ اليومَ تطوُّراتٍ سياسيَّةً سريعةً جدًّا في ظلِّ ظُروفٍ تَكالَبَتْ ما نُسَمِّيهِ معًا بـ”الجهلِ المقدَّسِ، والجهلِ المُدنَّسِ” عليها.
وعندَ مُراجَعتي لأسبابِ عدمِ الدِّقَّةِ هذه، والتي أتوخَّاها دائمًا في مُحادثاتي السِّياسيَّةِ وغيرِها، عملًا بمَثَلٍ إسبانيٍّ يُوصي بمضغِ الكلامِ ستًّا وثلاثينَ مرَّةً قبلَ النُّطقِ بهِ، تَبَيَّنَ لي أنَّ ذلكَ راجِعٌ، سواءً في مكناسَ أو في أربيلَ، إلى وُقوعي تحتَ ضَغط، وألَمِ عَدَمِ معرفةِ كثيرٍ من الحُضورِ، وهُم مُثقَّفونَ كبارٍ، بتاريخِ وتفاصيلِ التَّجربةِ المغربيَّةِ في بناءِ الهويَّةِ الوطنيَّةِ المُوحَّدةِ، وهيَ مَعرِفَةٌ كانت ستُسَهِّلُ، لا مَحالَةَ، كثيرًا على الأصدقاءِ المُتحدِّثينَ عن أعمدةِ منطقةِ شمالِ إفريقيا والشَّرقِ الأوسطِ، تسميةَ المنطقةِ الواقعةِ غربَ مِصرَ، والتَّفاعُلَ مع مُكوِّناتِها بمنطِقٍ تاريخيٍّ سليمٍ، وحقوقيٍّ أسلَمَ.

ومن أجلِ توضيحِ الفكرةِ أكثرَ، والمساهمةِ في إيجادِ مُصطلحٍ سياسيٍّ-حقوقيٍّ سليمٍ ينطبقُ على المنطقةِ الواقعةِ غربَ مِصرَ، والتَّنظيرِ لهُ سياسيًّا وحقوقيًّا كعِمادٍ من الأعمدةِ الخمسِ لمنطقةِ شمالِ إفريقيا والشَّرقِ الأوسطِ، من الضَّروريِّ استعراض، ولو بعُجالةٍ، تاريخِ تدبيرِ بناءِ الهُويَّةِ الوطنيَّةِ المغربيَّةِ، وكيفَ تَمَّتْ معالجةُ قضيَّةِ مُختلِفِ مُكوِّناتِ المملكةِ المغربيَّةِ، وأساسًا الأمازيغ والأمازيغيَّةِ، إلى أنْ أصبحتْ مُكوِّناتُ الهُويَّة المغربيَّةِ، كما نصَّ عليها دستورُ 2011، تشملُ الأمازيغيَّةَ، والعربيَّةَ، والحسّانيَّةَ، واليهوديَّةَ، بالإضافةِ إلى الرَّوافدِ الأندلسيَّةِ، والأفريقيَّةِ، والمتوسطيَّةِ، مُلزِمًا الجميعَ – أي الدستورَ – بواجبِ المُساهمةِ في وحدةِ وبناءِ الوطنِ.
ففي عامِ 1930 أصدرَ الاستعمارُ الفرنسيُّ- الذي كان يُسيطرُ على وسطِ البلادِ، دونَ شمالِها الذي استعمرتْهُ إسبانيا وسكَنَهُ أمازيغُ الرِّيفِ، وصحرائِها، التي سكَنَها الأمازيغُ والعربُ الحَسَّانيُّونَ ذوو الثقافةِ العربيَّةِ الأفريقيَّةِ، وهي الأراضيُ التي كانت تحتَ نيرِ الاستعمارِ الإسبانيِّ واسترجعها منهُ المغربُ سنةَ 1975 بمسيرةٍ خضراءَ شاركَتْ فيها كلُّ مُكوِّناتِ الشَّعبِ المغربيِّ . ومدينةُ طنجةَ، التي كانت، لاعتباراتٍ جيو-استراتيجيَّةٍ آنذاك، مدينةً دوليَّةً تتواجدُ بها جُلُّ تمثيليَّاتِ الدُّوَلِ الكُبرى حينئذٍ- ما سمي بالظَّهِيرَ البَربَرِيَّ كجزءٍ من استراتيجيَّتِهِ لإحداثِ شَرْخٍ بينَ الأمازيغِ والعربِ، والظهير البربري هو مرسومٌ أصدره الاستعمارُ الفرنسيُّ في المغربِ بتاريخِ 16 مايو 1930، وكان يُعرفُ رسميًّا باسمِ “الظهيرِ المنظمِ لسيرِ العدالةِ بالقبائلِ ذاتِ العرفِ البربري”. وهدف هذا الظهيرِ إلى فصلِ الأمازيغِ عن النظامِ القضائيِّ الإسلامي، وفرضِ قوانينِ عرفيةٍ محليةٍ عليهم بدلًا من تطبيقِ الشريعةِ الإسلاميةِ التي كانت ساريةً على باقي المغاربة.
وقد أثارَ هذا القرارُ العنصري مُقاومةً وطنيَّةً قويَّةً توحَّدَتْ فيها مُختلِفُ مُكوِّناتِ المجتمعِ المغربيِّ، حيثُ اعتُبِرَ الظَّهِيرُ محاولةً لتمزيقِ النسيجِ المجتمعيِّ وتقويضِ الهويَّةِ المغربيَّةِ الجامعةِ.
إلّا أنّهُ بعدَ الاستقلالِ سنةَ 1956، تبنَّتِ الدولةُ المغربيَّةُ، مثلها مثل حل بلدان شمال افريقيا والشرق الأوسط، سياساتِ تعريبٍ شاملةٍ هدَفَتْ من خلالها إلى مواجهةِ الإرثِ الاستعماريِّ وبناءِ الوحدةِ الوطنيَّةِ حولَ هويَّةٍ عربيَّةٍ-إسلاميَّةٍ، وتمَّ التَّعامُلُ مع الأمازيغيَّةِ كتراثٍ ثقافيٍّ ثانويٍّ بدلاً من اعتبارِها جزءًا أصيلًا من الهويَّةِ الوطنيَّةِ، ممّا أدَّى إلى تغييبِ اللغةِ الأمازيغيَّةِ عن التعليمِ والإدارةِ.
وقد أدَّتْ هذه السِّياسةُ إلى احتقانٍ اجتماعيٍّ في المناطقِ ذاتِ الأغلبيَّةِ الأمازيغيَّةِ نتيجةَ التَّهميشِ التَّنمويِّ والثقافيِّ، الموروثِ في جزءٍ كبيرٍ منهُ من الفترةِ الاستعماريَّةِ، وإلى بروزِ حركاتٍ ثقافيَّةٍ واجتماعيَّةٍ أمازيغيَّةٍ تُطالِبُ بالاعترافِ بالحقوقِ الثقافيَّةِ واللُّغويَّةِ للأمازيغِ.
في بدايةِ التِّسعينيَّاتِ، وأمامَ احتدامِ المُطالبةِ بحقوقِ الإنسانِ، ولا سيَّما الأجيالِ الثلاثةِ منها، بادرتِ الدولةُ المغربيَّةُ، التي انخرطتْ في موجةٍ من الإصلاحاتِ السِّياسيَّةِ والانفتاحِ على حقوقِ الإنسانِ، إلى الانفتاحِ تدريجيًّا على الثقافةِ واللغةِ الأمازيغيَّةِ، حيثُ سمحتْ بعقدِ نقاشاتٍ مفتوحةٍ حولَ الهويَّةِ المغربيَّةِ، وبدأ طرحُ موضوعِ التعدُّدِ الثقافيِّ ومستقبلِ الأمازيغيَّةِ – ثقافةً ولغةً – في النِّقاشِ العامِّ، ولا سيَّما في المهرجاناتِ الثقافيَّةِ التي عرفَتْها المملكةُ.
وبتاريخِ 17 أكتوبرَ 2001، دخلتِ الأمازيغيَّةُ منعطفًا تاريخيًّا، إذ في هذا اليومِ ألقى عاهلُ البلادِ بمنطقةِ أجديرَ، في قلبِ الأطلسِ المُتوسِّطِ، خطابًا ثوريًّا في الموضوعِ مُعلنًا عن تأسيسِ المعهدِ الملكيِّ للثقافةِ الأمازيغيَّةِ. وقد اعتبرَ المُتتبِّعونَ هذا الخطابَ علامةً فارقةً في مسارِ الاعترافِ الرسميِّ بالهويَّةِ والثقافةِ الأمازيغيَّةِ في المغربِ.
وفيهِ شدَّدَ جلالةُ الملكِ على أنَّ الأمازيغيَّةَ تُشكِّلُ جزءًا أصيلًا من الهويَّةِ المغربيَّةِ المُتعدِّدةِ الرَّوافِدِ، ووصفَ الأمازيغيَّةَ بأنَّها رصيدٌ لجميعِ المغاربةِ بدونِ استثناءٍ، مؤكِّدًا على ضرورةِ حمايةِ وتطويرِ اللغةِ والثقافةِ الأمازيغيَّتَينِ، وإدماجِ الأمازيغيَّةِ في التَّعليمِ والحياةِ العامَّةِ. ومن أجل ذلك أعلن عن تأسيس المعهدِ الملكيِّ للثقافةِ الأمازيغيَّةِ باعتبارِهِ هيئةً مُكلَّفةً بالبحثِ العلميِّ والتَّطويرِ في مجالِ اللغةِ والثقافةِ الأمازيغيَّةِ. ومن أهمِّ ما أكَّدَ عليهِ جلالةُ الملكِ في خطابِ أجديرَ هو أنَّ النُّهوضَ بالأمازيغيَّةِ يجبُ أن يتمَّ في إطارِ الوحدةِ الوطنيَّةِ، وبعيدًا عن أيِّ نزعاتٍ انفصاليَّةٍ.
لقد استطاعَ خطابُ أجديرَ وضعَ أُسُسِ الاعترافِ بالثقافةِ واللغةِ الأمازيغيَّتَيْنِ كجزءٍ لا يتجزأُ من الهويَّةِ الوطنيَّةِ. ومنذُ ذلكَ الحينِ، أصبحتِ الأمازيغيَّةُ محورًا للعديدِ من الإصلاحاتِ السِّياسيَّةِ والاجتماعيَّةِ التي تسعى لتعزيزِ التعدديَّةِ والعدالةِ الثقافيَّةِ.
وبما أنَّ الإصلاحَ صيرورةٌ طويلةٌ ومعقَّدةٌ، وأنَّ التنفيذَ السِّياسيَّ في قضايا الهويَّةِ – ثقافةً ولغةً – ليسَ بالأمرِ السهلِ، فقد استمرَّ النشطاءُ الأمازيغُ في التَّرافعِ، متفاعلينَ معَ المعهدِ الملكيِّ للثقافةِ الأمازيغيَّةِ، والمؤسساتِ الحقوقيَّةِ المُحدثةِ من قِبَلِ الدولةِ، ومطالبينَ برفعِ مستوى الإصلاحاتِ ووتيرتِها، مُنتبهينَ إلى أنَّ التَّهميشَ السَّابقَ لثقافتِهم ولغتِهم قد مسَّ كذلكَ أوضاعَهم الاجتماعيَّةَ والاقتصاديَّةَ والتنمويَّةَ.
ومن أجل اصلاح ذلك، وقضايا أخرى مرتبطة بالرفع من وتيرة الإصلاح الديمقراطي قرَّرَ المغربُ سنةَ 2004، دولةً ومجتمعًا، الدُّخولَ في تجربةٍ حقوقيَّةٍ ثوريَّةٍ لمعالجةِ ماضي الانتهاكاتِ الجسيمةِ لحقوقِ الإنسانِ السِّياسيَّةِ والحقوقيَّةِ والاقتصاديَّةِ والاجتماعيَّةِ والثقافيَّةِ. ويتعلَّقُ الأمرُ بتجربةِ هيئةِ الإنصافِ والمصالحةِ، التي تبنَّتْ منهجيَّةَ العدالةِ الانتقاليَّةِ، ممَّا يعني تبنِّيَ هذه المنهجيَّةِ من عزمِ الدولةِ السيرَ في الإصلاحاتِ السِّياسيَّةِ والحقوقيَّةِ إلى حدِّ تأسيسِ دولةِ الحقِّ والقانونِ الكاملةِ الأركانِ.
وبالفعلِ، فقدْ أقرتِ الهيئةُ – هيئةُ الإنصافِ والمصالحةِ – أنَّ الثقافةَ الأمازيغيَّةَ واللغةَ الأمازيغيَّةَ تعرَّضَتَا للتَّهميشِ، وأنَّ هذا التَّهميشَ كانَ جزءًا من السياساتِ التي أضعفَتِ الهويَّةَ الوطنيَّةَ المتعدِّدةَ. مشدِّدةً على أنَّ التَّهميشَ الثقافيَّ واللغويَّ للأمازيغيَّةِ يُعتَبرُ من الانتهاكاتِ غيرِ الماديَّةِ التي يجبُ معالجتُها لتحقيقِ مصالحةٍ شاملةٍ.
في نهايةِ اشتغالِها، أوصَتْ هيئةُ الإنصافِ والمصالحةِ بإدماجِ الأمازيغيَّةِ في الحياةِ العامَّةِ، خاصَّةً في التعليمِ، والإعلامِ، والإدارةِ. وأكَّدتْ على أهميَّةِ صونِ التُّراثِ الثقافيِّ الأمازيغيِّ وتعزيزِ دورِهِ في الهويَّةِ الوطنيَّةِ، وعلى ضرورةِ الاعترافِ بالتعدُّديَّةِ الثقافيَّةِ واللغويَّةِ كمكوِّنٍ أساسيٍّ في بناءِ الدولةِ الحديثةِ.
ولعلَّ أهمَّ ما أكَّدتْ عليهِ هو أنَّ معالجةَ قضيَّةِ الأمازيغيَّةِ لا تقتصرُ على البُعدِ الثقافيِّ فقط، بلْ تمتدُّ إلى التَّنميةِ في المناطقِ التي يقطنُها الأمازيغُ، والتي تعرَّضَتْ للإقصاءِ التنمويِّ، رابطةً تحقيقَ العدالةِ الثقافيَّةِ بالعدالةِ الاجتماعيَّةِ والاقتصاديَّةِ.
بهذه التَّوصياتِ، تكونُ الهيئةُ قدْ مهَّدَتِ الطريقَ لترسيمِ اللغةِ الأمازيغيَّةِ كلغةٍ رسميَّةٍ في المغربِ إلى جانبِ العربيَّةِ، ممَّا شكَّلَ نقلةً نوعيَّةً في الاعترافِ بالمكوِّنِ الأمازيغيِّ، إذْ أحدثَ دستورُ المغربِ لعامِ 2011 تحوُّلًا نوعيًّا في مسارِ القضيَّةِ الأمازيغيَّةِ، حيثُ تمَّ لأوَّلِ مرَّةٍ في تاريخِ المملكةِ الاعترافُ باللغةِ الأمازيغيَّةِ كلغةٍ رسميَّةٍ إلى جانبِ اللغةِ العربيَّةِ، مُغلِقًا الجدلَ حولَ موضوعِ الهويَّةِ في المغربِ، التي أصبحتْ هويَّةً واحدةً متعدِّدةَ الرَّوافدِ تحتَ اسمٍ واحدٍ: المغاربةُ.
وَلأن الدِّيمُقْرَاطِيَّة وَحُقُوق الإِنسَانِ وَالِاعْتِرَافِ هِيَ فَرْحَةُ النَّاسِ، فَقَدْ قَرَّرَتِ الْحُكُومَةُ الْمَغْرِبِيَّةُ جَعْلَ يَوْمِ 12 يَنَايِرَ مِنْ كُلِّ سَنَةٍ يَوْمَ عُطْلَةٍ رَسْمِيَّةٍ لِلِاحْتِفَاءِ بِمَا يَلِيقُ بِقدوم السَّنَةِ الْأَمَازِيغِيَّةِ الْجَدِيدَةِ.
في الخلاصةِ، من القدرِ الجغرافيِّ للمغاربةِ أن يُسمَّى بلدُهم المغرب، المملكةَ المغربيَّةَ الشريفَة، وهم المغاربةُ. وبعيدًا عن منطقِ الهيمنةِ السِّياسيَّةِ والحقوقيَّةِ، التي من واجبِ كلِّ حقوقيٍّ ديمقراطيٍّ أن ينبذَها، ومساهمةً مني في إيجادِ مصطلحٍ سليمٍ ومكيَّفٍ حقوقيًّا وسِياسيًّا، سيُعفي الأصدقاءَ المتحدِّثين عن أعمدةِ منطقةِ شمالِ إفريقيا والشرقِ الأوسطِ من التفكيرِ في صِيغِ التَّعاملِ مع وتسميةِ مكوناتِ منطقةِ شمالِ إفريقيا الواقعةِ غربَ مصرَ، وذاتِ المكوناتِ المختلفةِ – الأمازيغيَّةِ والعربيَّةِ واليهوديَّةِ والحسَّانيَّةِ والأندلسيَّةِ والإفريقيَّةِ – أقترحُ أن نُطلِقَ، في أدبيَّاتِ وتنظيراتِ المجموعةِ التي تشتغلُ على مستقبلِ التَّعاونِ بينَ هذه الأعمدةِ، على هذا العمادِ الخامسِ الذي يمتدُّ من المملكةِ المغربيَّةِ، والجمهوريَّةِ الموريتانيَّةِ، والجمهوريَّةِ الجزائريَّةِ، والجمهوريَّةِ التونسيَّةِ، والجمهوريَّةِ الليبيَّةِ: المغاربة.
ومرد هذا الاقتراح الى أنَّ كلَّ البلدانِ التي ذكرتُها، والتي كانت تُسمَّى في فترةٍ تاريخيَّةٍ مضتْ بالمغربِ الأقصى، والمغربِ الأوسطِ، والمغربِ الأدنى، بها نفسُ الأعراقِ الموجودةِ في المملكةِ المغربيَّةِ، بهذا العددِ أو ذاكَ. بهذا القدر من التمسك أو ذاك، بهذا الاعتزاز أو ذلك .والغرضُ منه أنْ لا نُقصيَ أيَّ مكوِّنٍ من مكوناتِ المنطقةِ مهما صغر عدده، و أثره، وفيهِ كذلكَ تكريمٌ، منا نحنُ الحقوقيِّينَ والديمقراطيِّينَ، للتجربةِ المغربيَّةِ الرائدةِ في بناءِ الوحدةِ الوطنيَّةِ، وفي بناءِ دولةِ الإنصافِ والمصالحةِ في ظلِّ استمرارِ نفسِ نظامِ الحكمِ، ودونَ اللجوءِ إلى أيِّ نوعٍ من العنفِ.ودعمٌ لدولِ المنطقةِ وللفاعلينَ السِّياسيِّينَ والحقوقيِّينَ بها للاقتداءِ بالتجربةِ المغربيَّةِ في بناءِ الهويَّةِ الوطنيَّةِ، وهي تجربةٌ بعمقٍ حقوقيٍّ وفقَ المعاييرِ الدوليَّةِ لحقوقِ الإنسانِ، كما يُجمِعُ على ذلكَ العارفونَ بالشأنِ الدوليِّ.
ملاحظةُ الاختتام. .
إنَّ “المغاربة” في هذا المقالِ/الاقتراح هو تجاوزٌ لمصطلحِ “المغاربيِّينَ”، الذي يتضمَّنُ البُعدينِ الجغرافيَّ – بالنِّسبةِ للمشرقِ – والعرقيَّ المقتصرَ على الأمازيغِ والعربِ فقط، والحالِ أنَّ بالمنطقةِ مكوناتٍ أخرى سبقَ الإشارةُ إليها أعلاه. أضفْ إلى ذلكَ افتقارَ مصطلحِ “المغاربيِّينَ” إلى العمقِ الحقوقيِّ، عكسَ مصطلحِ “المغاربة” الذي يُحيلُ على تجربةٍ حقوقيَّةٍ مهمَّةٍ.
كما أنَّ هذا المصطلحَ – أي “المغاربة” – لا يُقابلُه “المشارقة”، الذي لا يستحضرُ إلا البُعدَ الجغرافيَّ لعالمٍ بدأَ يتركُ المجالَ لآخرَ أكثرَ إدماجًا وتعبيرًا عن مكوناتِهِ الأساسيَّةِ.
لا تَتركوا المَغارِبَةَ!
انتهى.
عبد السلام بوطيب،
كاتب وروائي،
رئيس مركز الذاكرة المشتركة من أجل الديمقراطية والسلم.