بعد 41 يوما على اختفائها في ظروف غامضة، تم العثور على بقايا عظام تعود إلى الطفلة نعيمة ذات الخمس سنوات، بأحد الجبال القريبة من منزل والديها بدوار تفركالت بضواحي مدينة أكدز بإقليم زاكورة.
أحد الرعاة هو من عثر على بقايا عظام الطفلة الضحية، وأبلغ مصالح الدرك الملكي والسلطات المختصة بالواقعة، فيما استطاع والدها التعرف عليها من خلال ملابسها وشعرها فقط، نظرا لكون الجثة كانت مجرد هيكل عظمي.
وأكد عدد من النشطاء الحقوقيين في الجنوب الشرقي أن قضية وفاة الطفلة نعيمة متشابهة مع جريمة القتل التي راح ضحيتها الطفل عدنان بمدينة طنجة خلال الشهر الجاري، مستغربين ازدواجية التعامل مع القضيتين، سواء من طرف المواطنين أو وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية.
الفنان الكوميدي محمد باسو، ابن زاكورة، وجه سهام النقد إلى وسائل الإعلام حول طريقة التعامل الباردة مع قضية الطفلة نعيمة الروحي، قائلا إن “المنابر الإعلامية جاتهم زاكورة بعيدة باش يمشيو يصورو لبلاصة فين تقتلات وكيفاش ووقتاش تقلات، وياخدو تصريح مع دارهم قبل وبعد وأثناء، وآخر واحد شاف نعيمة وكيفاش”. وأضاف أن “المشكل ماشي مشكل اغتصاب فقط. المشكل مشكل عقلية وجغرافية ولون.. وغادي نبقا نقولها حتى نموت”، مختتما تصريحه بالقول إن “المركزية قاتلة البلاد”.
وليس الكوميدي باسو وحده من وجه سهام الانتقاد إلى التعامل البارد مع قضية الطفلة نعيمة، المتحدرة من الجنوب الشرقي، عكس التعامل الشعبي والرسمي مع قضية الطفل عدنان المتحدر من شمال المغرب، إذ أكد العشرات من الحقوقيين والنشطاء أن هناك ازدواجية في التعامل مع الجريمتين.
عبد الصمد آيت بنعلي، وهو فاعل حقوقي من إقليم زاكورة، أكد أن هناك عدة فوارق بين جريمتي عدنان ونعيمة، ليس فقط من قبل وسائل الإعلام، بل أيضا من قبل الحقوقيين والمسؤولين وحتى عموم المواطنين، مشيرا إلى أن الطريقة التي تم التعامل بها مع الجريمتين تؤكد أن المغرب ما زال يسير في اتجاهين معاكسين.
الحقوقي ذاته أوضح، في تصريح له، أن جريمتي الشمال والجنوب متشابهتان إلى حد كبير، بالرغم من أن الأولى انكشفت خيوطها والثانية ما زالت في طور الأبحاث، لافتا الانتباه إلى أن “التعامل مختلف المعايير مع القضايا المتشابهة يسحب بساط الثقة من المنظمات الحقوقية والجمعوية والإعلامية وحتى الجهات الرسمية”. ودعا آيت بنعلي الجميع إلى مراجعة أسس المواطنة ومفاهيمها والحقوق من داخل المواطنة ذاتها من أجل بناء وطن موحد أخلاقيا واجتماعيا وفي الضمير الجمعي قبل السياسي.
وفي تعليقه على قضية وفاة الطفلة نعيمة بعد العثور عليها جثة هامدة على بعد كيلومترين من منزل أسرتها، قال الناشط الحقوقي والأمازيغي الحسين شنوان: “ليس حقدا على شهيد البراءة عدنان، ولكن على ما أعتقد أن النيابة العامة واحدة والأمن بمختلف أجهزته واحد، والمؤسسات الإعلامية واحدة، لكن الواقع يتحدث عن أشياء أخرى”، لافتا الانتباه إلى أن “بلاد المخزن ليست بنفس درجة بلاد السيبة في حقوق المواطنة ومن ناحية الاهتمام الإعلامي”.
وتساءل الحقوقي ذاته قائلا: “بأي جواب سنواجه الواقع بعد هذه الوقائع؟ وبأي منطق سيبرر البعض انخراطنا الجماعي في بناء الوطن؟ وكيف سنبرر لأطفال الهامش هذا التعتيم المطبق عليهم أخلاقيا وضمائريا؟”.
وأضاف، “فلنعلنها صريحة أننا لسنا سواسية، وأن لكل منا حسب جهته من الوطن تربيته الوطنية والحقوقية، وأن كتابها يختلف عن الواقع المعيش، فاليوم تم اغتيال آخر ذرة من وجودنا الجمعي أخلاقيا. أما في السياسة والحق فنحن مستودع مواطنين بدون معنى في الحياة وعند الممات”.
من جهته، قال إبراهيم رزقو، رئيس فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بزاكورة، إن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان تتابع بأسف كبير الجريمة الشنعاء التي تعرضت لها الطفلة البريئة نعيمة، مشيرا إلى أن الجمعية تقدم بهذه المناسبة أحر التعازي والمواساة لأسرة الضحية التي تعاني في صمت رهيب.
وأضاف رزقو، أن “الجمعية المغربية إذ تندد بهذه الجريمة الشنعاء التي راحت ضحيتها طفلة بريئة ومن أسرة فقيرة، فإنها تثير انتباه الرأي العام الإقليمي والوطني إلى التمييز في التعامل مع القضايا من قبل وسائل الإعلام والحقوقيين والمسؤولين.
وقال الحقوقي ذاته: “إذا كان الطفل عدنان قد تعرض للاختطاف والاغتصاب والقتل في جريمة شنعاء متكاملة الأركان، وما أثير حولها من تغطية إعلامية واسعة في جميع وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية، فإننا نحس، نحن أبناء الجنوب الشرقي، بالتمييز في التعامل مع قضية نعيمة البريئة”، مشيرا إلى أن “هناك تمييزا واضحا بين المركز والهامش”.
وأكد رئيس فرع زاكورة أن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان تندد بهذا التمييز والتعامل الجاف والمترهل اللذين بدرا عن بعض وسائل الإعلام، خاصة الرسمية منها، التي تستفيد من أموال الشعب في قضية نعيمة. وأضاف “هذا يشعرنا بأننا في منطقة لن ينتبه إلينا أحد لأننا نعاني داخلها في صمت”.
وطالب رزقو الجهات المسؤولة بضرورة الكشف عن خيوط هذه الجريمة، والوقوف إلى جانب الأسرة المكلومة لتجاوز محنتها، مؤكدا أن “المسؤولية في هذه القضية تتحملها السلطة المحلية والسلطات الأمنية، خاصة أنها توصلت ببلاغ الاختفاء، وكان بمقدورها استعمال المروحيات للبحث عن الضحية والوصول إليها في وقت وجيز”.