بقلم ياسين الحسناوي
في زاوية منسية من خريطة الوطن، وعلى بعد مئات الكيلومترات من الملاعب الشهيرة التي اعتادت أن تحتضن مباريات المنتخب المغربي، تنهض جهة الشرق هذه المرة على موعد مع التاريخ، بمباراة مرتقبة بين أسود الأطلس ومنتخب إفريقيا الوسطى، التي ستقام في الملعب الشرفي بمدينة وجدة يوم 12 أكتوبر، لتكون هذه اللحظة بمثابة عيد رياضي لسكان الجهة، الذين لطالما انتظروا مثل هذه المناسبات على أرضهم.
فلطالما كانت ملاعب الرباط والدار البيضاء وطنجة وأكادير ومراكش هي الوجهة الرئيسية التي تستقطب مباريات المنتخب الوطني، بينما بقيت مدن الجهة الشرقية كالناظور وبركان ووجدة، تتابع من بعيد، يشدها الشوق إلى مشاهدة منتخب بلدها وهي تحلم برؤية أسود الأطلس يتنافسون على أرضها، ولكن فرحة إعلان هذه المباراة سرعان ما تحولت إلى شعور بالخذلان، عندما حاولت، شخصيًا، شراء تذكرة عبر الموقع الإلكتروني الذي خصصته الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم لحضور المباراة، ووجدت الموقع خارج الخدمة مرارًا وتكرارًا، طيلة يوم امس السبت 5اكتوبر، وهنا تبدأ قصة أعمق من مجرد حجز تذكرة، قصة تعكس واقع البنية التحتية الرياضية في جهة الشرق.
إن للرياضة، وبخاصة كرة القدم، دورًا مركزيًا في تعزيز النسيج الاجتماعي وتوحيد قلوب الجماهير، فهذه الرياضة ليست مجرد لعبة، بل إنها أداة تربط الأفراد وتجمعهم حول شغف واحد، لا تميز بين غني وفقير، ولا بين المدينة والقرية؛ بل إنها تبني جسور التواصل بين مختلف الطبقات الاجتماعية، وتوفر متنفسًا للشباب والرياضيين، وتزرع فيهم قيم الروح الرياضية والعمل الجماعي.
ولكن الأمر يتجاوز الملاعب والمدرجات، فالرياضة تساهم بشكل فعال في تحريك عجلة الاقتصاد المحلي، وتنظيم الفعاليات الرياضية الكبرى، كمباريات المنتخب الوطني، يشكل فرصة اقتصادية هائلة للمدن المستضيفة، حيث ان الفنادق تمتلئ، المطاعم تزدهر، والتجارة تنتعش في كل زاوية من المدينة، مما يفتح فرص عمل مؤقتة ودائمة للشباب، ويوفر دخلاً إضافيًا لسكان المنطقة.
ورغم كل هذه الفوائد الاقتصادية والاجتماعية التي يمكن أن تجلبها الرياضة، تظل جهة الشرق تعاني من غياب البنية التحتية الرياضية اللازمة، حيث ورغم الشغف الكبير الذي يظهره سكان الجهة بكرة القدم، إلا أن الملاعب المتاحة لا ترتقي إلى مستوى استضافة مباريات كبرى.
فالملعب البلدي بمدينة بركان والملعب الشرفي بوجدة، رغم ما يبذله المسؤولون من جهود لتطويرهما، لا يملكان القدرات الكافية لتنظيم فعاليات رياضية على مستوى عالٍ، فالمقاعد قليلة، والمرافق الأساسية شبه معدومة، وتجهيزات الملعبين تفتقر إلى المعايير المطلوبة لاستضافة مباريات دولية، وهو ما يعكس اقصائهما من تنظيم كأس الامم الافريقية 2025 التي تنظمها النغرب وكأس العالم 2030 أيضا.
أما الناظور، فهي تعيش في ظل وعود لم تتحقق، فالمدينة يعشق سكانها كرة القدم، لكنهم يجدون أنفسهم محرومين من ملعب يليق بهم، ولعقود طويلة، سمعنا عن مشاريع ملاعب جديدة في الناظور، لكن حتى اللحظة، لا شيء يلوح في الأفق، بل مجرد وعود فارغة وكاذبة من المسؤولين لم تترجم على ارض الواقع، وظلت الجماهير تنتظر في صمت، بينما تزداد الإحباطات عامًا بعد عام.
وأن يتم الإعلان عن مباراة للمنتخب الوطني في وجدة كان حلماً تحقق لسكان جهة الشرق، لكن أن تجد نفسك عاجزًا عن الحصول على تذكرة بسبب خلل بالموقع الإلكتروني، فهذا يعكس مشكلة أعمق في التعامل مع مثل هذه المناسبات؛ هناك انفصال بين الحلم والممارسة، بين التطلعات والواقع، وكم هو مؤلم أن تتحول فرصة نادرة إلى إحباط بسبب مشاكل تقنية، وكم هو قاسٍ أن ترى الأمل يتبخر أمامك.
والحقيقة التي لا يمكن تجاهلها هي أن الجهة تظل فعليا بعيدة عن دائرة الاهتمام الرياضي الوطني، والمدن الكبرى تستأثر بأفضل الملاعب وأكبر الفعاليات، بينما تبقى مدن الشرق متفرجة من بعيد، ولأن الرياضة هي أكثر من مجرد لعبة، بل هي عامل تنمية اجتماعية واقتصادية، فإن غياب البنية التحتية الرياضية يضر بالنسيج الاجتماعي والاقتصادي للمنطقة.
ولا يمكن أيضا إنكار أن الاستثمار في الرياضة هو استثمار في مستقبل المدن والمجتمعات، والملاعب ليست مجرد أماكن لمشاهدة المباريات، بل هي مساحات عامة تساهم في تطوير الشباب، وتعزيز السياحة، وتوفير فرص اقتصادية، وإذا كانت المدن الكبرى بالمغرب النافع تستفيد من تنظيم الفعاليات الرياضية الكبرى، فإن المدن الصغيرة والمهمشة بالمغرب غير النافع كجهة الشرق بحاجة ماسة إلى مثل هذه الفرص.
نقول لفوزي لقجع رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، ونذكره، أننا أيضا مغاربة، مثلنا مثل أي شخص يحمل الجنسية المغربية أينما وجد في الناظور او طنجة او الرباط او ورزازات او العيون او الكويرة… وحق مشاهدة المنتخب الوطني على أرض الملعب يجب أن يكون متاحًا لكل مغربي، في كل جهة من جهات الوطن.