أقرت وزارة الصحة منذ ما يناهز الشهر بروتوكولا جديدا لعلاج المصابين بفيروس كورونا المستجد في بيوتهم، وفق شروط صحية وأخرى لوجستيكية معينة، وهو الإجراء الذي استحسنه عدد من المواطنين، ممن يرعبهم “الإهمال” وضعف البنية الصحية في المستشفيات العمومية المغربية المعنية باستقبال الحالات المصابة، غير أن تنزيل هذا البروتوكول الذي عممه وزير الصحة أيت الطالب سلفا، تتداخل فيه سلطات مصالح وزارة الصحة ووزارة الداخلية.
مواطنة تشتكي مداهمة منزلها
لم تكن ليلى.ز، الشابة الثلاثينية، لتتخيل أنها وبعد سويعات من توصلها بنتيجة إيجابية لاختبار فيروس “كورونا” المستجد، كانت قد أجرتها السبت الماضي ولم تتوصل بها إلا عشية الاثنين، ستكون في مواجهة مباشرة مع السلطات المحلية، التي وقفت عند باب منزلها، “مهددة” إياها بالالتحاق بسيارة الإسعاف التي يفترض أن تنقلها إلى المستشفى الميداني سيدي يحيى الغرب أو اقتحام بيتها وإخراجها بالقوة.
تقول ليلى باكية: “في الوقت الذي كنت أحاول فيه استيعاب فكرة أنني مصابة بالفيروس، خاصة وأني عديمة الأعراض ولطالما التزمت بالإجراءات الموصى بها بحذافيرها لدرجة الهوس، توصلت باتصالات متكررة لساعات من مصالح وزارة الصحة، تخبرني أن سيارة إسعاف ستنقلني إلى مستشفى سيدي يحيى، وهو ما رفضته وشرحت لهم أن الشروط التي عددها وزير الصحة متوفرة بي، فأنا رياضية أساسا ولست مصابة بأي مرض مزمن، كما أني عديمة الأعراض وأقيم في بيت منفصل لوحدي، وهو ما يخول لي الاستفادة من العلاج المنزلي”، تقول المتحدثة مضيفة: “يعني أموري قانونيا وصحيا ولوجستيكيا سليمة”.
وتابعت: “مصالح وزارة الصحة كانت تتعامل بفضاضة، ومع كل اتصال كنت أسمع سيلا من الجمل الترهيبية من قبيل ‘ضبري لراسك’ و’ماغانعطيوكش الدوا’ و’ماتصدعيناش ماغاتفهميش حسن منا جمعي صاكك ماغانزيدوش هضرة’، وأنا في كل مرة كنت أشرح لهم رغبتي في الاستفادة من العلاج المنزلي، مضت ساعات قليلة وحضرت سيارة الإسعاف ومعهم السلطات المحلية، التي ما فتئت هي الأخرى تطالب بنزولي فورا وبدون مقاومة في 5 دقائق”، تقول المتحدثة مضيفة: “طبعا رفضت، وشرحت لهم أني سأوقع الالتزام وأتوخى منهم التوصل بالعلاج، لكنهم استمروا في الوعيد والتهديد الذي وصل حد محاولة اقتحام البيت وإخراجي بالقوة دون وجه حق، فما كان لي إلا الاستسلام لأمر الواقع بقوة الداخلية”.
شروط واضحة لكن…
بحسب ما ورد في مرسوم وزارة الصحة في الشأن المتعلق بالعلاج المنزلي، فإن اللجنة العلمية والاستشارية للوزارة والمكلفة بتدبير (كوفيد-19)، توصي بأن الأشخاص الذين لا يحملون علامات سريرية يمكن التكفل بهم داخل مقار سكناهم بما يتماشى وتوجيهات كافة المنظمات الدولية.
وبروتوكول التكفل بحالات الإصابة بكورونا يهم “الحالات من دون أعراض ولا تمثل أية علامة سريرية، والأشخاص الذين يستجيبون لعدد من الشروط، كغياب عوامل الخطر المرتبطة بكبر السن والأمراض المزمنة والحمل والرضاعة”، وهي الشروط المتوفرة في الحالة السابقة.
وينطبق التكفل بالعلاج في البيت أيضا ومن الناحية اللوجستيكية، على “الأشخاص الذين يستوفون الشروط الملائمة للعزل، لاسيما التوفر على غرفة فردية جيدة التهوية، وعدم وجود أشخاص في وضعية صحية هشة يقيمون تحت سقف واحد”. كما أن “قرار التكفل بالعلاج المنزلي يجب أن يتم باستشارة مع الشخص المصاب وبرغبة منه في التعامل مع هذا البديل”، وهو ما عبرت عنه أيضا الحالة مرارا في اتصالاتها بالسلطات الصحية وأيضا بالسلطات المحلية، ما يفرض طرح سؤال: “في هذه الحالة، لماذا لم يتم احترام البروتوكول العلاجي؟”.
وزارة الصحة: العلاج المنزلي حق مشروع
من جانبه، أوضح مصدر مسؤول في وزارة الصحة لـ”أخبار اليوم”، أن مسألة العلاج المنزلي “حق مشروع لكل مواطن تتوفر فيه الشروط المذكورة في مراسلة وزير الصحة للمناديب والأطر الصحية المؤرخة بـ5 غشت 2020″، تتوفر الجريدة على نسخة منها.
وأشار المصدر عينه إلى أن هذا البروتوكول تم اللجوء إليه “انطلاقا من عدد من الاستنتاجات والمعطيات التي أظهرت أن جزءا كبيرا من الحالات من دون أعراض ترفض أن تتلقى العلاج بالمستشفى، في ظل غياب علامات سريرية عليها، وأنها في حالة جيدة. فهؤلاء يعتبرون أنهم ليسوا مرضى ومن الصعب إقناعهم بالتكفل بهم في المستشفى” مضيفا: “كما أن بعض المواطنين أيضا متخوفون من فكرة العلاج في المستشفى الميداني، علما أن الهدف العام، سواء العلاج في المشفى أو المنزل، إلى جانب التنفيس عن المستشفيات من حجم الاكتظاظ الحاصل، يكمن أيضا في التكفل بالحالات وعلاجها، وتجنب أي عدوى للأشخاص المخالطين للحالات المؤكدة”.
وبالعودة إلى الحالة المذكورة، يشرح المصدر ذاته أن “مسؤولية السلطات الصحية حدودها أمام باب منزل المصاب، وتتلخص في نقله عبر سيارة إسعاف ليتلقى العلاج، أما رفضه من قبوله ومدى خصوصية كل حالة منفصلة عن الأخرى، فهي في يد السلطات المحلية التي تسهر على تنزيل القرارات بالتشاور مع السلطات الصحية”، يقول المتحدث مضيفا: “ليس في يدنا نحن إجبار المريض على العلاج من عدمه، نحن ننسق مع السلطات المحلية ونبلغها، وهي تتصرف وفقا للحالة الوبائية في المنطقة أو حسب الموقع أو الحي، وما تراه مناسبا للحفاظ على السلامة العامة، لأن الهدف واحد وهو ألا تنتقل العدوى إلى آخرين”.
وأسر المتحدث لـ”أخبار اليوم”، أن السلطات المحلية بدورها تشتغل على وقع ضغط رهيب من الوزارة الأم، بحيث إن “المقدم أو القايد أو الباشا أو غيرهم من ممثلي السلطة المحلية، ملزمون في نظر وزارة الداخلية بتحقيق الأمن المحلي ويحاسبون على كل تقصير بهذا الخصوص”، وهو ما يعتبره المصدر ذاته طبيعيا ويشرع اتخاذ “إجراءات صارمة من هذا القبيل، في ظل الظرفية الوبائية الاستثنائية التي نعيشها، والتي تستلزم الصرامة في التطبيق، في إطار مرسوم حالة الطوارئ الذي مدها بسلطات واسعة في اتخاذ القرارات التي تراها مناسبة”.
وزاد المتحدث: “لكن هذا لا يعني أنه توجد عرقلة على مستوى العلاج المنزلي، وهو كما ذكرت حق مشروع لكل حالة مؤكدة استوفت الشروط المعروفة، فعشرات الحالات عولجت ولا زالت تتلقى العلاج في بيوتها، وقد سخرت الوزارة لجانا خاصة لمتابعة هذه الحالات والسهر على علاجها عن بعد”.
رأي اللجنة العلمية
من جانبه، أوضح مصدر من اللجنة العلمية لـ”أخبار اليوم”، أن توصل المريض بنتيجة الاختبار الإيجابية، وإن كانت الشروط الصحية واللوجستيكية متوفرة في نظره، “لا يعني بالضرورة أنه سيستفيد تلقائيا من العلاج المنزلي”، يقول المتحدث مضيفا: “من الطبيعي أن تحضر سيارة الإسعاف لنقله فورا إلى المستشفى من أجل إجراء الفحوصات الطبية اللازمة، بما فيها تخطيط القلب وغيرها من الإجراءات الإدارية أيضا، حتى نتأكد تماما من أن حالته الصحية لا تستدعي التكفل به، ولنضمن ألا تكون هناك مضاعفات صحية للبروتوكول العلاجي حتى نساير العلاج”.
وتابع المتحدث قائلا: “بعد تحقق الشروط الصحية، وتعبئة المريض لورقة المواكبة الطبية وملفه الذي يحتوي على جميع المعلومات، وقتها يوقع الالتزام المرتبط بالشؤون اللوجستيكية، والذي يفترض على أساسه أن يكون المريض يستوفي شروط التباعد والحجر المنزلي، كي لا يتسبب في بؤرة عائلية ويتأزم الوضع أكثر، وحتى نتأكد من أنه لا يقيم مع أشخاص ضعيفي المناعة، أو متقدمين في السن أو مصابين بأمراض مزمنة تحت سقف واحد كما ذكرت درءا للخطر، وهذا الالتزام الموقع تبت فيه السلطات المحلية التي تملك الصلاحية”.
صلاحيات واسعة لـ”الداخلية”
في معركة الحرب ضد الفيروس التاجي، التي يخوضها المغرب منذ 2 مارس المنصرم، كانت السلطات المحلية في الواجهة دائما لتدبير حالة الطوارئ الصحية، التي منحت صلاحيات واسعة وفضفاضة للولاة و العمال بجهات وأقاليم المملكة، لاتخاذ ما يرونه ملائما من التدابير، للتخفيف من القيود التي تفرضها حالة الطوارئ.
وهذا الانتداب الذي منحته الحكومة بمرسوم قانون للولاة والعمال، حصري ومطلق من أجل تدبير أزمة الطوارئ الصحية في الجهة والعمالة والإقليم، وفق مقاربة تقبل الوجهان؛ الأول صحي تتولاه وزارة الصحة، والثاني أمني وبتنفيذ من طرف وزارة الداخلية مع مراعاة التنسيق مع وزارة الصحة.
وكان مرسوم إعلان تدابير حالة الطوارئ 292.20.2، منح أيضا الحق والاختصاص في فرض حجر صحي اختياري أو إجباري، أو فرض قيود مؤقتة على الأشخاص في مساكنهم، أو الحد من تنقلاتهم، أو منع تجميعهم. كما تمتد صلاحياتهم ونطاق توكيل الحكومة لهم إلى إغلاق المحلات المفتوحة للعموم، وإلى إقرار أي تدبير من تدابير الشرطة الإدارية. فالولاة والعمال مأمورون في المرسوم لتنفيذ انتداب مفوض لهم من طرف الحكومة.
وجاء في المادة الرابعة من مرسوم إعلان الطوارئ الصحية 292.20.2، أنه على الأشخاص التقيد بالأوامر والقرارات الصادرة عن السلطات العمومية. كما أن المادة الثانية من مرسوم 293 .29.2 سمحت للولاة في الجهات والعمال في العمالات والأقاليم، باتخاذ تدابير تنفيذية لحفظ النظام العام الصحي، كما وضعت الحكومة في المراسيم سند التوكيل عبارة “تدبير تنفيذي”، تحقيقا لمبدأ السرعة والاستعجال الذي يفرض تنفيذ الوكالة الممنوحة للعمال والولاة من طرف الحكومة، في إطار أمر لا يخضع للشكليات الكتابية، بما معنا أن “لهم ولاية وصلاحية اتخاذ أي تدبير توقعي ووقائي واحترازي لحماية الأمن العام الصحي فورا ودون شكليات، لأن الهدف محدد وجهة التنسيق الوحيدة محددة في المصالح الصحية”، بحسب ما شرحه المحامي والخبير القانوني صبري الحو في بسطه لمضامين المرسوم.