هذا مضمون آخر خطاب للملك الحسن الثاني الذي وعد فيه المغاربة بتغيير وجه المملكة

23 يوليو، 2020 - 22:42 الأخبار الوطنية تابعونا على Lwatan

تحل اليوم الخميس الذكرى الحادية والعشرون لرحيل الملك الحسن الثاني، يوم 23 يوليوز 1999، وهو التاريخ الذي وجه قبله بأيام فقط خطابه الأخير للشعب المغربي، وتحديدا يوم 8 يوليوز 1999 بمناسبة عيد الشباب، ويُلاحظ، من خلال العودة إلى هذه الوثيقة التي تسترجع “الصحيفة” مضامينها، أن العاهل المغربي الراحل أعطى الأولوية لموضوع التشغيل والتكوين كما استخدم لغة حالمة دفعته إلى أن يعد المغاربة برؤية بلدهم بألوان أخرى في غضون 3 سنوات فقط.

وبدا واضحا من خلال الخطاب أن الملك الحسن الثاني كان يطمح إلى إيجاد حل لمشكلة البطالة في صفوف الراسبين في التعليم الثانوي أو الجامعي، بالإضافة إلى عدم رضاه على العدد الكبير من خريجي التخصصات الدقيقة، وفي مقدمتها الفيزياء النووية التي دعا إلى تقليل التوجه نحوها، لكنه من جهة أخرى بدا متفائلا بخصوص نجاح خوصصة قطاع الاتصالات وتحديدا شبكة الهاتف المحمول الجديدة وقتها، التي كان يرغب في استثمار عائداتها في العديد من المجالات الاقتصادية والتنموية.

رهان التشغيل

“في مثل هذا اليوم من السنة الماضية كنت قطعت على نفسي أمامك، شعبي العزيز وشبابي العزيز، أن أجعل من مشكلة البطالة بكيفية عامة، وبطالة الشباب المتخرج بكيفية خاصة، معركتنا الأولى وهدفنا الأسمى بعد قضيتنا الترابية، وها أنا اليوم ولله الحمد يمكنني، شبابي العزيز، أن أعطيك بعض الأرقام، وهي أرقام لا تفي بما يجب أن يكون عليه الأمر، ولكن “ما لا يدرك كله لا يترك بعضه”، وإن كان البعض هنا بعضا مهما في ما يخص مشكلة الشباب العاطل الحائز على الشهادات”.

بهذه العبارات يفتتح الحسن الثاني خطابه الأخير الذي تحدث عن تشغيل 11 ألف خريج من شعب التكوين المهني و8800 حامل لشهادة الإجازة، و2000 من الدكاترة والمهندسين، ما يعني أن المغرب تمكن خلال سنة واحدة من تشغيل 21 ألفا و800 شاب من حملة الشواهد، لكن وفي ظل خلق ما بين 200 ألف و250 ألف منصب عمل جديدا سنويا في مختلف المجالات، كان الإكراه الذي يشغل بال الملك الراحل في هذا الخطاب هم الـ60 ألف شاب الذين تعثروا في تعليمهم الثانوي أو الجامعي.

وكان الحسن الثاني يرى أن حل هذه المشكلة سيتم من خلال مخطط “ينص على رصد المبالغ المالية اللازمة لإدماج هذه الأعداد المتراكمة، وهنا قررنا أن تعطي الجماعات 713 مليار سنتيم من ميزانيتها، والمؤسسات العمومية والمكاتب 1800 مليار سنتيم، وأخيرا مصالح الدولة ستعطي ألف 1000 مليار”، وكان الملك مقتنعا أن هذا المخطط يمكن أن يحتوي جميع أولئك العاطلين في ظرف 3 سنوات، لكنه إلى جانب ذلك دعا إلى مواكبة مناهج التعليم لمتطلبات سوق الشغل من جهة، وإلى تحسين أساليب التوجيه الدراسي من جهة أخرى.

وأعلن الحسن الثاني في هذا الخطاب أنه سيعود إلى هذه القضية في المستقبل القريب، موردا “وبالنسبة لبرنامج التعليم سأحدثك عنه، شعبي العزيز، إن شاء الله في 20 غشت، لأني سأكون آنذاك قد توصلت من اللجنة بدراستها كاملة، وأريد أن أتطرق آنذاك شعبي العزيز إلى مشكلة التعليم وكيفية حلها”، وهو الأمر الذي لم يكتب له أن يتم بعدما عاجلته المنية أياما فقط بعد هذا الخطاب.

تحذير من التخصصات الدقيقة

ومن الأمور المثيرة في خطاب الحسن الثاني، نظرته السلبية لكثرة المقبلين على التخصصات العلمية الدقيقة، إذ جاء في الخطاب الأخير “يمكن لكم أن تتساءلوا عن سبب كون الذين حازوا على الشهادات العليا في العلوم الدقيقة جدا هم الذين يجدون صعوبات في إيجاد الشغل، إن الجواب سهل، وهو أن جل هذه الآلاف قد درسوا إما البيولوجيا المتقدمة جدا وإما الفيزياء النووية أو ما هو في مستوى هذه العلوم المتقدمة جدا والمتطورة جدا، فكيف يمكننا أن نخلق مختبرا لكل شاب أو شابة له دبلوم في البيولوجيا، وكيف يمكننا أن نشغل نحن في المغرب شخصا حائزا على شهادة الفيزياء النووية”.

وتابع الملك الراحل مفسرا موقفه “بصراحة، هذه علوم تقتضي في الواقع من المربين والمدرسين والموجهين أن يحاولوا إبعاد أكثر ما يمكن من الناس عنها، لأنهم لن يجدوا مجالا للشغل ولا للتشغيل، فلهذا ترون أننا شغلنا ألفين فقط، وكيف تم ذلك حتى بالنسبة لهؤلاء، لقد وضعناهم رهن إشارة الصناعات المتقدمة جدا والمتطورة جدا برضاهم بالطبع، والتزمت تلك الشركات وأولئك المقاولون بأن يستفيدوا من الدراسات العليا التي يتوفر عليها هؤلاء، وأن يدمجوهم ويبرمجوا ويكيفوا تلك المعلومات التي يتوفر عليها هؤلاء الدكاترة حتى يمكنهم أن يندمجوا في النسيج الصناعي الوطني”.

وفي المقابل، كان الملك يفضل مجالات التشغيل الذاتي التي أبدى حماسا لدعم الدولة لها، قائلا “وهناك، شعبي العزيز، أخيرا، ميدان مهم جدا، ألا وهو ميدان الذين يخلقون لأنفسهم شغلهم فتعينهم الدولة، وتعطيهم رأس المال، وينجحون نجاحا سارا وجيدا، حيث إن أقل ما يشغله الواحد منهم معه هو ستة أو سبعة أو ثمانية أشخاص”.

خوصصة الاتصالات

وحمل خطاب الحسن الثاني الأخير نبرة تفاؤلية مدرها عائدات خوصصة قطاع الاتصالات التي فاقت المتوقع، إذ قال “كما تعلم شعبي العزيز، أقبلنا على خوصصة الاتصالات عن طريق الرخصة الثانية لاستغلال الهاتف المحمول، وكنا حينما شرعنا في هذا الموضوع توخينا أن نصل في هذه المزايدات والمنافسات إلى رقم 400 مليون دولار، الشيء الذي كان مهما جدا بالنسبة لحجم المغرب، وكم كانت دهشتنا وفرحتنا عظيمة حينما رأينا أن المتنافسين تنافسوا إلى حد أن الفائز بهذه الرخصة وصل إلى مليار وما ينيف عن المليار دولار، أو بعبارة أوضح 11 مليار من الدراهم”.

ويبدو أن هذا الرقم فتح أمام الملك آمالا عريضة للمستقبل، لذلك خاطب المغاربة قائلا “فلنقرأ شيئا من هذا الرقم الذي هو 11 مليار درهم أو مليار و100 مليون دولار، إنه لا يوجد إلا في الدول الأوربية… أما أن نكون قد وصلنا نحن إلى هذا الرقم، فزيادة على أنه حقيقةً مفاجأةٌ سارة، فهو في آن واحد عنصر للاطمئنان ولشكر الله سبحانه وتعالى، ذلك أنه لا يصل هذا الرقم إلا الدول التي برهنت على طريقتها في دراسة الملفات من شفافية ونزاهة ودراية هي في مستوى الدول الراقية”.

وقال الملك في خطابه إنه بعد أن يوضع في خزينة الدولة مبلغ الـ4 ملايير درهم الذي يمثل العائدات المتوقعة، فإن طموحه هو حسن استثمار مبلغ الـ7 ملايير درهم المتبقي ليتضاعف 3 مرات حتى يتجاوز حاجز الـ21 مليار درهم، لذلك كان يرى أن يتبعده عن “خزينة الدولة والمخطط الخماسي”، وأن يوجه نحو الاستثمار “أن نستثمر أولا في البناء، البناء الاجتماعي الكريم الذي لا يجعل الابن أو البنت يكبران في جو من عدم الرضى عن مسكنه وعن جواره وعن بيئته، يجب أن نستثمر إذن في السكن، السكن اللائق والكريم”.

وتابع الملك الراحل أن هذا المبلغ سيوجه “لفك عزلة العالم القروي ببناء الطرق الثلاثية وتوفير الماء الشروب، وإعطاء الأولوية، كما كان ذلك من ذي قبل للري والسدود، والنظر في خلق شبكة قوية للصيد البحري، تمكن أولئك الذين يصطادون في الشواطئ أو غير بعيد عن الشواطئ أن يكونوا سلسلة من المدن الساحلية، وبناء الطرق السيارة، تلك الطرق التي هي بمثابة الشرايين للجسد، وهلم جرا”.

مغرب بألوان أخرى

ويبدو أن الملك كان يحمل أحلاما وردية بخصوص عائدات خوصصة قطاع الاتصالات، لذلك أورد “كيف سيمكن لكل مليار أن يضاعف نفسه ثلاث مرات؟ السر هنا واضح، يجب على الدولة أن تكون نواة صلبة، وأن تشرك معها الخواص، فالنواة الصلبة سوف تكون دائما مكونة من مؤسسة عمومية أو مكتب من المكاتب الاقتصادية التي لها القوة والدراية، وستجمع حولها الخواص والشركات المغربية والأجنبية، لأن تلك الشركات الأجنبية حينما تستثمر أموالها هنا سوف تريد أن تربح، ويتواصل ربحها، فيجب أولا اختيار المجالات الاقتصادية والاجتماعية التي تخلف نفسها لنفسها ما يجعلها قادرة على النمو والتنمية، وثانيا اختيار البرامج، وثالثا وضع نواة صلبة لإشراك الخواص معها”.

ويضيف الحسن الثاني “شعبي العزيز، إن ما أقوله لك كان حلما وكان أمنية، وأصبح اليوم حقيقة، وعلينا أن نحمد الله عليها، وفي القريب إن شاء الله أي في سنة 2000 ولا يفصلنا عن سنة 2000 إلا ستة أشهر، وربما قبل ذلك سوف ترى بنفسك بلدك يهتز طربا وعملا وبناء وتشيدا وافتخارا وآمالا، وسوف ترى كذلك، شعبي العزيز، العاطلين مشتغلين، وسوف ترى في كل ناحية من نواحي المغرب القاصية منه والدانية الأعمال والأوراش والمال مثل الماء يجري من هنا إلى هناك”.

وتابع “إن الأموال عندنا في المغرب راكدة، والأبناك تكتظ بالأموال، وهذا مرض من الناحية المالية؛ مرض خطير في كل بلد إذا كان المال يكتظ في الأبناك، فالآن ستجد الأبناك فرصة سانحة معقولة اقتصادية ومالية لأن تخرج ذلك المال، فيكون هناك رواج، هناك “بايع شاري” كما يقول الناس، وهنا سوف تأخذ الدولة نصيبها من خلال الضرائب التي ستأخذها من هنا ومن هنا ومن جميع الخدمات التي ستتسع وستتغير وستتنوع”.

وبدا الملك واثقا من تحقيق طموحه، وهو يتضح من خلال الأجزاء الأخيرة من الخطاب، إذ قال، هذا، شعبي العزيز، مع ما حققناه بالنسبة للشباب ومع ما أعدكم بإنجازه في ثلاث سنوات بالنسبة للفائض الذي تراكم علينا فيما يخص تشغيل الشباب، وما أعطانا الله سبحانه وتعالى من خيرات في هذه المقاولة، وما در علينا من ملايير الدراهم، وسوف نرى إن شاء الله في أقرب وقت ممكن الدنيا بألوان أخرى، وسوف تتسع الآفاق أمامنا اتساعا يليق بماضينا ويطابق مطامحنا، وسوف نطمئن على فلذات أكبادنا وعلى الأجيال الصاعدة”.