أنمون:
يعتبر الحق في الصحة من الحقوق الأساسية المنصوص عليها في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، ونظرا لأهميته القصوى فقد نص الإعلان العالمي لحقوق الانسان على أنه لكلِ شخص الحق في مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة والرفاهة له ولأسرته، و يقر العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في المادة 12″ بحق كل إنسان في التمتع بأعلى مستوى من الصحة الجسمية والعقلية يمكن بلوغه ” ولتوضيح وتفعيل هذه المادة قامت لجنة الأمم المتحدة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في سنة 2000 باعتماد تعليق عام يقضي بأن الحق في الصحة، يشمل أربعة عناصر أساسية هي:
1. التوافر: ويعني توفير القدر الكافي من المرافق الاستشفائية العمومية ومرافق الرعاية الصحية والسلع والخدمات والبرامج.
2. إمكانية الوصول: ويعني استفادة الجميع من فرص الوصول إلى المرافق والسلع والخدمات الصحية، ضمن نطاق الولاية القضائية للدولة الطرف.
3. المقبولية: ويقصد به أن تحترم جميع المرافق والسلع والخدمات المقدمة الأخلاق الطبية وأن تكون مناسبة ثقافياً وأن تراعي متطلبات الجنسين ودورة الحياة.
4. الجودة: ويقصد به أن تكون المرافق والسلع والخدمات الصحية مناسبة علميا وطبيا وذات نوعية جيدة.
ويلتزم المغرب الدولة الطرف في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، أن يوفر القدر الكافي من المرافق المعنية بالصحة العامة والرعاية الصحية وكذلك من السلع والخدمات والبرامج وفق المستوى الإنمائي للدولة وينص دستور يوليوز2011 في المادة 31 منه على ما يلي :” تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية عل ىتعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسيرأسباب استفادة المواطنات والمواطنين على قدم المساواة من الحق في العلاج والعناية الصحية، والحماية الاجتماعية والتغطية الصحية، والتضامن التعاضدي أوالمنظم من لدن الدولة “.
وعلاقة بالتزامات الدولة الحقوقية، يمكن أن نتساءل عن واقع الحق في الولوج إلى العلاج بمنطقة الريف من خلال الوقوف على عدد البنيات الاستشفائية بها، وطبيعة الخدمات التي تقدمها، ومدى قدرتها على توفير هذا الحق وبنائه ميدانيا، وماهي متطلبات تحسين أداء القطاع الصحي، وتعزيزضمانات الحق في العلاج والولوج إلى الخدمات الصحية.
وللإشارة فاختيار تناول أقاليم منطقة الريف في هذه المقالة وليس جهة الشرق أو جهة طنجة تطوان الحسيمة التي تنتمي إليها هذه الأقاليم، مرجعه هو تقارب المعطيات السوسيو- ديمغرافية والمجالية للمنطقة عكس التقطيع الجهوي الذي لا يحقق هذه المعطيات.
وضعية قطاع الصحة بمنطقة الريف:
رغم انتقال عدد المستشفيات بالمغرب من 52 سنة 1960 إلى 142 مؤسسة استشفائية سنة 2011 فقد ظل هناك خصاص كمي وتوزيع غير متكافئ تجسده الفوارق الكبيرة بين الأقاليم والجهات، وبين الوسط القروي والحضري، وحتى عندما اتجهت الدولة نحو احداث وتشغيل مراكز استشفائية جامعية في محاولة منها لتنويع وتقوية العرض الاستشفائي، لم تحظى منطقة الريف باحتضان أي مستشفى جامعي.
ومما يزيد من وضعية الخصاص الذي تعرفه المنطقة هو أن العرض الصحي سواء العمومي أو الخاص يرتكز بالمدن الكبرى ويغيب في المدن المتوسطة والصغرى ويزيد من تفاقم هذا المشكل التوزيع غير المتكافئ للمهنيين إذ ” يتمركز 50% من الأطباء المزاولين في القطاع الخاص في محور الرباط – الدار البيضاء”، هذا إلى جانب مشكل محدودية الانفاق العمومي على قطاع الصحة فوفقا للحسابات الوطنية للصحة لم تتجاوز نفقات الدولة من الميزانية العامة لقطاع الصحي 5,5 % من الناتج الداخلي الخام فقط بينما توصي منظمة الصحة العالمية بألا يقل الإنفاق على الصحة 12 % .
لقد ظل قطاع الصحة في الريف يعاني لعقود من العجز الكمي والكيفي ومن قلة الموارد البشرية، حيث ظلت المؤشرات الطبية المسجلة بالمنطقة دائما بعيدة عن المعدلات الوطنية، الأمر الذي يحرم المواطنين من ضمان حقهم في العلاج والعناية بأحوالهم، ويهدد أمنهم الصحي، ويجعل كل الجهود المبذولة لا ترقى لتطلعات المواطنين في النهوض بقطاع الصحة وتحقيق شروط التنمية المستدامة، وهذه بعض المؤشرات حسب الأقاليم الثلاثة:
• اقليم الدريوش:
يتميز القطاع الصحي بإقليم الدريوش بالمحدودية والضعف الشديد سواء على مستوى البنيات التحتية أو الموارد البشرية، مقارنة مع عدد السكان الذي يقدر بحوالي 2011059 نسمة، حيث لا يتوفر الاقليم على أي بنيات استشفائية، ويتواجد به مستشفى محلي في طور البناء بميضارانطلقت به الأشغال سنة 2015 ولم يكتمل بعد، ويوجد مستشفى إقليمي بالدريوش انتهت به الأشغال منذ 2019 وظل مغلقا ولم يفتتح بعد، ويوجد يالإقليم بعض المراكز الصحية التي تعاني من نقص في المعدات واللوجستيك والموارد البشرية، وبعض عيادات الطب العام، في حين لا توجد به مصحات خاصة أو عيادات متخصصة، وتعرف جماعات الاقليم بين الحين والآخر تنظيم حملات طبية وفق صيغ مختلفة ومتفاوتة الأهمية تتم بشكل مشترك مع جمعيات المجتمع المدني أو الجماعات الترابية.
• اقليم الناظور:
يتوفر اقليم الناظور على مستشفى اقليمي ظل منذ إحداثه يعاني من عدم التكافىء بين الموارد البشرية المتوفرة به والخدمات الصحية المنتظرة من طرف المرضى ذلك أن حجم الطلب يفوق الطاقة الواقعية للمستشفى، ونظرا للخصاص الكبير على مستوى الموارد البشرية فقد اتجهت مندوبية الصحة بالناظور نحو القطاع الخاص لتغطية بعض الخدمات الصحية مثل تصفية الدم لمرضى القصور الكلوي بحيث أبرمت عقودا خاصة لتغطية مصاريف علاج المرضى داخل مصحات خاصة، وتتواجد بالمدينة مجموعة متنوعة من العيادات والمصحات الخاصة، وعدد من المراكز الصحية الحضرية ومستشفى للقرب بجماعة العروي و آخر بجماعة زايو.
• اقليم الحسيمة:
يتوفر إقليم الحسيمة على مستشفى اقليمي ويتم حاليا تجديد بنايته بتراب جماعة آيت يوسف واعلي وينتظر أن يكون جاهزا في متم سنة 2020، كما يوجد مركز لتصفية الكلي بجماعة امزورن، ومجموعة من المراكز الصحية الحضرية، وثلاث من المصحات الخاصة، كما يتوفر الاقليم على مركز للأنكولوجيا بطاقة استيعابية تصل إلى 24 سرير، ويقدم بعض الخدمات لفائدة مرضى السرطان بالإقليم، لكنه يعاني باستمرار من نقص في التجهيزات اللوجيسكية وفي الموارد البشرية المتخصصة.
ويعد ارتفاع نسب الاصابة بمرض السرطان وأمراض القلب والجهاز التنفسي والسكري وغيرها، من أهم المعضلات الصحية بالأقاليم الثلاثة .
لقد كشفت جائحة كورونا عن تردي وضعف المنظومة الصحية المغربية بشكل عام، بسبب سياسات الحكومات المتعاقبة، وهي السياسات، التي جعلت بعض المناطق تعاني بشكل مضاعف، بسبب سوء توزيع العرض الصحي والموارد البشرية، وضعف التغطية الصحية فنظام “راميد” لايوفر للمستفيدين منه الولوج إلى العلاج إل ابالمؤسسات العمومية، ويؤدي المستفيدون منه 40 % من مصاريف العلاج، ويظل 28 في المائة من المواطنين من دون أي تغطية صحية وهم في الغالب من ذوي الدخل المحدود.
وبسبب محدودية العرض الصحي وغلاء أثمنة الأدوية التي تظل خارج نطاق قدرات الكثيرمن المضى، فالكثير من المواطنين وخاصة في البوادي لايراجعون الطبيب إلا في حالات المعاناة الشديدة من الآلام، والكثير من المرضى يتعايشون مع أمراض مزمنة مثل السكري والضغط والشريين والربو والصدفية دون مراجعة الطبيب.
• مقترحات بخصوص تعزيز ضمانات الحق في العلاج:
مع أن بعض هذه الاقتراحات تستهدف الرعاية الصحية في أقاليم منطقة الريف، فهي أيضا مناسبة لأقاليم أخرى تواجه نفس التحديات :
– مراجعة الفصل 31 من الدستور بما يؤكد بشكل صريح على حق المواطنين في الولوج إلى العلاج والحصول على الدواء.
– الرفع من الانفاق العام على قطاع الصحة ليصل إلى المعدل الذي توصي به منظمة الصحة العالمية وهو 12% من الناتج الوطني الخام .
– فتح مسالك التكوين الجامعي في مختلف التخصصات الطبية، والرفع من توظيف الأطر الطبية المتخصصة وأطباء الأسنان والصيادلة والممرضين والتقنيين.
– التسريع بفتح وتشغيل المستشفيات والمراكز الصحية المغلقة ومنها المستشفى الإقليمي بالدريوش.
– احداث كلية للطب ومستشفى جامعي بمنطقة الريف يشمل توفير العلاج لمرضى السرطان .
– الرفع من تغطية التأمين الصحي للعاملين في القطاع غير المهيكل، وتسريع وتيرة تحقيق التغطية الصحية الشاملة.
– تطوير التشريعات الوطنية بما يضمن وصول المرضى للمسارات القانونية للتعويضات في حالات الأخطاء العلاجية وانتهاك حقوق المرضى .
محمـد الحمـوشي ( ناشط حقوقي ).