حسن من مدينة أوتريخت الهولندية لم يعد يفهم الامر بل ولا يريد فهمه.
في غضون 9 أيام ، فقدَ والده وأمه وعمه بسبب هذا الفيروس اللعين القاتل (كورونا) وتم نقل سبعة أفراد آخرين من العائلة إلى المستشفى.
يروي حسن قصته إلى موقع (RTL_Nieuws) الهولندي ؛ قصة عن حلم سيء للغاية لم يستيقظ منه بعد.
” الصدمة كبيرة جدا بالنسبة لي ، من الصعب استوعابها ، لكنها الحقيقة : فقدت والدي محمد (76) ، والدتي تميمونت (69) وعمي أحمد (80) ماتوا خلال تسعة أيام ، لم يمهلهم المرض الكثير ليفرقهم ببعضهم البعض.
وفي الوقت نفسه ، تم إدخال سبعة آخرين من أفراد الأسرة إلى المستشفى ، بما في ذلك أخي صادق الذي غادر للتو العناية المركزة… لقد تأثرنا بالوضع كثيرا “.
“سأحاول أن أشرح كيف سارت الأمور كلها . آسف إن كنت أتكلم كثيرا ، لكن البوح يساعد أحيانا في التخلص من بعض هذه الضغوطات .
في نهاية شهر فبراير ، ذهب والداي وعمي وعمتي في رحلة حج إلى مكة المكرمة. لقد أحبوا المكان هناك كثيرا ، لكن في النهاية اضطروا إلى مغادرة البلاد ، لأن الحكومة السعودية ستغلق الحركة الجوية بسبب جائحة كورونا.. قام أخي علي بسرعة بترتيب الامر وحجز تذاكر طيران جديدة وفي 15 مارس عاد والداي صحبة عمي وعمتي من مكة ،عبر اسطنبول ، إلى المنزل بسلام .
في اليوم الموالي قاموا بتنظيم حفل عشاء للعائلة ، كانوا سعداء جدا بالعودة بأمان إلى منازلهم . تناولنا عشاءً لذيذا في تلك الليلة وضحكنا كثيرًا ، وكان الجميع سعداء .
“يوم الثلاثاء بدأت أمي تشعر بنوع من الضعف. لم يكن لديها حمى ولم يكن لديها ضيق في التنفس ، لكنها فقدت شهية الاكل والشرب لم تكن تريد أن تأكل أو تشرب أي شيء.
اقتربت اليها ، أردت تقبيلها على جبينها ، نظرتْ الي وقالت ” لا ، لا ، لا تفعل يا بني قد أكون مصابة بكورونا ..إنني مصابة بالأنفلونزا “.
بعد بضعة أيام ، وكانت تزداد سوءًا ، اتصلنا بالطبيب الذي أمرنا بإحضارها إلى المستشفى.
اصطحبنا أنا و أخي والدتي الى المستشفى .. أطل أبي من شرفة المنزل نظر الينا بفخر ورفع إبهام يده . فقد كنا نعتقد أن كل شيء على مايرام . لا أحد منا كان يعتقد أن هذه هي اللحظة الأخيرة التي يرى فيها أبي وأمي بعضهما البعض “.
تم اجراء التحاليل لوالدتي في المستشفى وتأكد أنها مصابة بالفيروس. كان عليها البقاء في المستشفى للتعافي… ولكن في اليوم الموالي تم نقلها فجأة إلى العناية المركزة… آآه؟ بالأمس االقريب كانت تجوب بنفسها أرجاء هذه المستشفى ، والآن لا تستطيع أن تفعل أي شيء بنفسها؟ لم اعد أفهم شيئا …. لكنها ستكون في أيادي أمينة ، أكد لنا الأطباء.
في اليوم التالي ذهبنا إلى والدي لنرى كيف كان حاله. كان يشعر بالبرد ، قال لنا…. تبين أنه مصاب بالحمى ولذلك اعتقد الطبيب أنه من الحكمة أخذ والدي إلى المستشفى . قال لنا ابي فجأة ، “اسمعوايا أبنائي الأعزاء. لا تتركوا أي شخص يتدخل بينكم وبين باقي الاخوان والاخوات ، ابقوا على اتصال إلى الأبد. أنا ذاهب إلى المستشفى ولا نعرف أبدًا كيف ستسير الامور ولا كيف ستنتهي .
واحترسوا جيدا ، إن جاءكم أحدا وطالبكم بسداد دين والدكم. فأنا لست مدينًا لأحد …قاطعته ” ممازحا” ، “تصرف بشكل عادي يا رجل ! العيد على الباب، هل تعتقد أنني سأتكلف بأمور العيد/ الكبش بنفسي؟ أنت من سيفعل ذلك يا أبي “. ضحكنا معا وسار باتجاه سيارة الإسعاف لوحده قويا كما كان دائما.
نظرت إليه وقلت في نفسي : إذا كان هناك شخص ما بصحة جيدة ، فهو والدي. إنه رجل قوي… نعم ، وسيمر هذا الوضع اليوم ايضا على ما يرام “.
“في الأيام التي تلت ذلك ، كنت أذهب إلى المستشفى كل يوم. كان والدي في القسم المخصص لمرضى كورونا وبسبب هذا الوضع الصعب ، سُمح لي بالمجيء للزيارة كلما أردت ذلك ، قال موظفوا المستشفى أنه أقل ما يمكنهم فعله من أجلي.. شعرت بالأسف الشديد لأن والدايّ لا يستطيعا رؤية بعضهما البعض رغم تواجدهما في نفس المستشفى ،كانت والدتي في الطابق الأرضي ، ووالدي في الطابق الثالث.
في يوم 30 مارس ، قضيت أربع ساعات على سرير والدي… تجاذبنا أطراف الحديث وكنت سأجلب له بعض “السندويتشات”..كان يحتفظ بحيويته وابتسامته المعهودة… توادعنا على أمل أن نلتقي وكنت حريصاً على ذلك لكن …
في المنزل اتصلتْ بي المستشفى فجأة : توفي والدي. ذهبت إلى هناك على الفور…لم أصدق ذلك ، ولكن كان ذلك صحيحًا . غادر والدي في نفس اليوم الذي توفي فيه أخي بسبب مرض التصلب العصبي المتعدد في عام 2017….. ما هذه الصدفة!.
أعددنا جنازته قدر الإمكان ودفن في مدينة ألمير بعد ذلك بيومين. وكان عليَّ أن أستمر … كان عليَّ ايضا التركيز على أفراد أسرتي الآخرين ، لأنه في الوقت نفسه كان عمي ‘أحمد حبو’ في العناية المركزة ودخل سبعة أفراد آخرين من عائلتي المستشفى وهم متواجدين في مستشفيين مختلفين. كانوا كلهم يستخدمون أجهزة التنفس الصناعي التي تستخدم لإسعاف ذوي الحالات الحرجة… في أي جحيم انتهى بي الأمر؟
بعد ثلاثة أيام تلقينا أخبارا محزنة أخرى بأن عمي قد مات أيضًا. حقا ، كيف كان ذلك ممكنا ؟ لم أفهم ذلك. في ذلك الوقت كان علينا أن نرتب جنازته. لم يكن هناك وقت للحزن ، كان بإمكاننا فقط الجري والركض وبسرعة أيضا “.
قمنا بدفن عمي كذلك في مدينة ألمير. كان رجلا عظيما، عمل بجد لأكثر من 40 عامًا في مصنع للأدوية في مدينة أوتريخت. كان لديه قلب كبير يحب جميع الناس .
لسوء الحظ ، الأخبار الحزينة لا تنتهي ..لم تتوقف المكالمات المحملة بالاخبار المحطمة … في نفس اليوم تلقينا مكالمة أخرى من المستشفى. “يجب أن تحضر الى المستشفى على وجه السرعة ..الآن ، حالة والدتك ليست على مايرام ” .
توجهنا أنا وأخي إلى المستشفى بسرعة جنونية، حين وصلنا ،أدخلونا الى جناح العناية المركزة نرتدي ملابس واقية … لن تنجو والدتي من هذا المرض الخبيث ، لم يعد هناك احتمال..نظرت الى امي و آلدموع على خدي ‘ كيف لآ و هي بين آلحياة والموت كيف لآ و أنآ فقدت أبي وعمي بسبب نفس المرض… سألت الطبيب كم بقي من الوقت ؟ “ساعة”. قال الطبيب…”يمكنك البقاء معها حتى ذلك الحين.!”
أمسكت بيدها اليمنى وأمسك أخي باليسرى. همست في أذنها أنني اعيش حياة رائعة بفضلها … شكرتها على الحياة التي منحتها لنا ، على أمل أنها سمعت ما قلته لها. أصابع يدها كانت باردة.. وشعرت أنها ستغادرنا . توفيت أمي في 9 أبريل. قمنا بغسلها في اليوم الموالي ..لا يمكن لي وصف كيف كانت تبدوا وهي داخل الصندوق:كانت تبدو جميلة جدا وهادئة … بدت شابة وجميلة “.
جنة يا الله للراحلين فما عادت لنا حالة الا الدعاء لهم جنة يا الله نراهم فيها منعمين مترفين سعداء.
اللهم برد على قبور من هم تحت رحمتك و إجعل قبورهم برداً وسلاماً يا أرحم الراحمين .
انا لله وانا اليه راجعون.
—
أوتريخت/ هولندا
محمد بوتخريط