لكل رئيس جزائري دستوره.. فهل يكسر تبون القاعدة؟ (تحليل)

12 مايو، 2020 - 13:39 الرئيسية تابعونا على Lwatan

أنمون: عبد الرزاق بن عبد الله / الجزائر

تعديل دستوري جديد تتجه إليه الجزائر؛ البلد الذي سار منذ استقلاله على قاعدة “لكل رئيس دستوره الخاص”، لكن الرئيس الحالي عبد المجيد تبون يبدو مصرا على اعتماد وثيقة أساسية تعمر لعقود.

توجه يفجر تساؤلات عما إن كان سيقطع بالفعل مع القاعدة أم أنه سيكرسها، في وقت طرحت فيه الرئاسة الجزائرية، الجمعة، مسودة مقترحات لتعديل دستوري أعدتها لجنة خبراء قانون كلفهم تبون في يناير/ كانون الأول الماضي، بإعداد وثيقة أولية تعرض للإثراء والنقاش قبل الذهاب إلى استفتاء بشأنها.

** آمال الرئاسة

الرئاسة قالت في بيان إن الوثيقة “مجرد مسودة لتعديل الدستور تعديلاً شاملاً وعميقًا، وهي بمثابة أرضية للنقاش لا غير، ومنهجية عمل ارتأى الرئيس اتباعها، حتى لا ينطلق النقاش من فراغ، بل يرتكز على وثيقة معدة من طرف نخبة من كبار أساتذة القانون”.

وأضافت أن “الرئيس يأمل في إسهامات بناءة بتعديل ما يرونه يستحق وبحذف ما يجب حذفه، وإضافة ما ينبغي إضافته، لأنّ الغاية السامية هي تزويد الأمة بدستور توافقي يستجيب لتطلعات الشعب”.

وخلص إلى أنه من شأن هذه الإسهامات المرتقبة أن “تعبّد الطريق أمام بناء جمهورية جديدة، ينعم فيها الجميع بالعدل والحرية والأمن والاستقرار والرفاه الاجتماعي والثقة بالمستقبل”.

** أهم التعديلات

من أهم ما ورد في المسودة من تعديلات اقتراح، استحداث منصب نائب للرئيس، وتوسيع صلاحيات رئيس الحكومة والبرلمان، والسماح بمشاركة الجيش في عمليات خارج الحدود، وتعويض المجلس الدستوري الذي يفصل في نتائج الانتخابات بمحكمة دستورية.

وفي حال إقراره، فسيكون هذا التعديل الدستوري العميق المرتقب خلال أشهر، السادس منذ استقلال الجزائر العام 1962 إلى جانب تعديلات طفيفة أخرى كثيرة على الدساتير، حيث جرى تقليد سياسي بأن يقوم أي رئيس يصل الحكم بتغييرات على الوثيقة الأساسية للبلاد بشكل رسخ اعتقادا بأن “لكل رئيس دستوره الخاص”.

** لكل رئيس دستوره

أول دستور للجزائر المستقلة وضعه الرئيس الراحل أحمد بن بلة عام 1963، وكان يكرس حكم الحزب الواحد، لكنه لم يعمر طويلا بعد أن انقلب عليه وزير دفاعه والرئيس الراحل هواري بومدين عام 1965، وألغى العمل بالدستور لسنوات.

وفي عام 1976، وضع بومدين دستورا جديدا أدخلت عليه تعديلات طفيفة بعد وفاته عام 1979، ولكن استمر العمل به حتى عام 1989 حين وضع الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد أول دستور ينهي حكم الحزب الواحد ويقر التعددية السياسية بعد الثورة الشعبية في 5 أكتوبر/ تشرين أول 1988.

ولم يعمر دستور التعددية طويلا، حيث تم تجميد العمل به مطلع التسعينيات بعد استقالة الشاذلي ودخول البلاد في أزمة أمنية وسياسية، عقب إلغاء الجيش نتائج انتخابات نيابية فازت فيها “الجبهة الإسلامية للإنقاذ”.

وعام 1996، جاء الرئيس السابق اليامين زروال بدستور جديد بعد تراجع الأزمة الأمنية، حافظ شكليا على التعددية السياسية واستمر العمل به حتى العام 2016.

وطيلة الفترة المذكورة، أدخل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي خلفه عام 1999، عدة تعديلات على الدستور، أهمها ترسيم الأمازيغية لغة وطنية عام 2002، وفتح الفترات الرئاسية لتصبح مدى الحياة بدل اثنتين عام 2008، إلى جانب تقليص صلاحيات رئيس الحكومة.

وفي 2016، وضع بوتفليقة دستورا جديدا أعاد من خلاله تحديد الولايات الرئاسية باثنتين فقط، وقام بترقية الأمازيغية إلى لغة رسمية ثانية إلى جانب العربية، وأنشأ هيئة عليا لمراقبة الانتخابات.

** وثيقة لعقود

في 22 فبراير/ شباط 2019، شهدت الجزائر انتفاضة شعبية غير مسبوقة أطاحت ببوتفليقة الذي كان ينوي الترشح لولاية خامسة، واستمرت هذه المسيرات المطالبة بالتغيير لأشهر.

وفي 12 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، جرت انتخابات الرئاسة انتخب خلالها عبد المجيد تبون رئيسا للبلاد خلفا لبوتفليقة، وتعهد بتغييرات جذرية لنظام الحكم، من خلال تعديل دستوري عميق يستجيب لمطالب الشارع في التغيير.

ويردد تبون في جميع تصريحاته الإعلامية منذ انتخابه، أنه يريد “دستورا ينهي حكم الفرد الواحد ويحقق توازنا بين السلطات”، كما أعلن أنه “لا يحبذ وثيقة مفصلة على شخصه ولكن دستورا يبقى يسير شؤون الدولة لعقود”.

** معارضون يشككون

وفي أول رد فعل له على عرض مسودة الدستور للنقاش، أكد تكتل معارض يضم أحزابا ومنظمات أغلبها يسارية وعلمانية يسمى “قوى البديل الديمقراطي”، أن “أزمة الشرعية التي ضربت النظام منذ الاستقلال الوطني لا يمكن حلها عن طريق إجراءات ترقيعية”.

وحسب بيان لهذا التكتل صدر الجمعة، فإنه “مهما كان ما يعتقده سادة السلطة القدامى والجدد، فإن الإجماع حول التحول المؤسساتي والدستوري لتكريس الديمقراطية الحقيقية لا يمكن أن ينجح بدون نقاش شعبي واسع وعام يتوج بمسار تأسيسي ذا سيادة”.

وهذا التكتل الذي عارض حتى انتخابات الرئاسة التي جاءت بتبون رئيسا للبلاد، ظل يطالب بمجلس تأسيسي يضع دستورا للبلاد قبل الذهاب إلى أي انتخابات وهو مقترح اعتبرته السلطات محاولة لجر البلاد نحو المجهول وضرب استقرارها بتفكيك مؤسساتها.