بقلم فاطمة الإفريقي:
نعترف ، أنتم على حق ، كل مطالبكم مشروعة ، ومع ذلك ، لن نطلق سراحكم ..
سنشيد في مدينتكم مستشفى وجامعة وطريقا سيارا، سنحقق كل أمنياتكم العادلة وربما أكثر ، وسنفخر بتدشينها في نشرة المساء ، ولن تكونوا هنا ، لأننا لن نطلق سراحكم ..
نعترف بأنكم كُنتُم راقين ونبلاء وأبطالا ومبدعين في احتجاجكم ، و بأنكم أدهشتم العالم بالصور الفريدة لوقفاتكم ومسيراتكم ، نعترف بأننا أيضا انبهرنا بلوحات غضبكم ، وأنتم تغنون نشيد الحرية، و أنتم ترفعون بالونات النصر، وأنتم ” تطنطنون ” ، وأنتم مبتسمون ، وأنتم أنيقون ، وأنتم تنظرون لقوى قمعنا بعيون مشرقة بوميض صدق مستفز ، نعترف بأنه تتملكنا أيضا مثل كل البشر قشعريرة الدهشة أمام شجاعتكم ومشاعر الفخر بكوننا ننتمي مثلكم للوطن نفسه ، ومع ذلك ، ولأنكم كذلك ، لن نطلق سراحكم ..
نعترف بأنكم أبرياء ، فقد تعبنا كي نجد دليلا مقنعا لاعتقالكم ، اضطررنا للنبش في ماضيكم البعيد ، وللتأويل المغرض لأحلامكم ، ولتتبع مصدر الضوء في صوركم ، تنصتنا على أحاديثكم العفوية والتافهة وحتى الحميمية ، حللنا نصوص كل تدويناتكم ورسائلكم ، بحثنا في الاستعارات والمجاز و ما بين السطور، واطلعنا على حساباتكم البنكية البئيسة ، وتذكرنا حساباتنا المتضخمة ،هنا وهنالك ، شعرنا بخجل عابر ، ومع ذلك لم نطلق سراحكم ..
نعترف بأننا لم نجد براهين كافية تورطكم أو تثبت بأنكم متآمرين ضد الوطن ،لكننا وجدنا وشاة ومحققين و قضاة وقادة أحزاب وصحفيين نابوا عنا مشكورين في حبك سناريوهات تُهَمِكم ، وفِي تهويلها، وفِي خدش رمزيتكم ، نعترف بأن ما صاغته أناملهم سريالي وفيه الكثير من التضخيم ، نأسف لذلك ، ونأسف لوجود أمثالهم ، لكننا لن نطلق سراحكم ..
نتابع عن كثب حجم الغضب والاستياء والادانة لظروف اعتقالكم ، اطلعنا على كل المراسلات وأخذنا علما بكل العرائض و بما تكتبه الصحف العالمية والوطنية عن عدالة قضيتكم ،و توصلنا بتقارير موضوعية من منظمات حقوقية عن خرقنا لكل المواثيق في مطاردتكم واختطافكم وترهيبكم وتصويركم عراة ، تسامحنا مع المبادرات المدنية التي قادها أصدقاء لنا وأصدقاء لكم ، وعدناهم خيرا في العيد الصغير والعيد الكبير وعيدنا وعيدكم ، لكننا وكي نكون صريحين ، لا نزال مترددين ، ولا نية لنا اللحظة في إطلاق سراحكم ..
هكذا نحن ، تعرفون تاريخنا مند زمن الرصاص ، تعرفون أننا نلين ونقسو بمزاجنا ولا نخضع للمنطق والقوانين ، هكذا نحن عنيدون ومستبدون ، لا صوت يعلو على صوتنا ولن نسمح بخدش هيبتنا ، لن نتراجع أمام صمودكم ، وإن أضربتم عن الطعام ، وأضربتم عن الماء ، وإن جفت عروقكم ، وإن ذرفت أمهاتكم أنهار دموع ، وإن صاح المناضلون في الشارع العام ، سنعتقلهم جميعهم بتهمة الصياح ، سنكسر نظاراتهم أمام الكاميرات ، سنواجههم بالقنابل المسيلة للدموع ، وسنسحلهم ، و أنتم ، لن نطلق سراحكم ..
موتوا من الغيظ ، اشربوا البحر المتوسط ، استنجدوا بالضفة الديمقراطية للمتوسط إن شئتم ، سنجعل من مدينتكم منارة للمتوسط ، وأنتم ستظلونا هنا ، في سجوننا المهينة ، لأننا مع أسفنا الشديد لن نطلق سراحكم.
أنتم على حق ، نعترف ، كل مطالبكم مشروعة ، ومع ذلك سنساند المحتجين في شوارع “كراكاس” ، وسنحتج ضد دولة فنزويلا كي تطلق سراح معتقليها السياسيين ، وأنتم ؟ ، لا تحلمون ! ..فلن نطلق سراحكم .
أرجو أن تتفهموا موقفنا ، إننا نبني للمستقبل البعيد ، لأننا سنحتاجكم ، كي نؤسس من أجلكم لجنة إنصاف ومصالحة، ونؤسس بكم حزبا جديدا ، وقد تصبحون سفراء ووزراء ورؤساء أومدراء سجون ، أما الآن ، فنحن آسفون أيها الشباب الطيب ، فلن نطلق سراحكم .