الزرايدي يكتب عن عشية تصاعد المواقف العدائية للنظام الجزائري بعد التدخل العسكري في الكركرات

20 نوفمبر، 2020 - 11:48 الرئيسية تابعونا على Lwatan

“لا آفاق لقضية الصحراء خارج الإرادة الجزائرية وفي سياق الوضع الصحراوي، شدّد المصدر السامي، على أنّه وفق مقاربة الجزائر التي تعتبر القضية في تطوراتها القائمة امتدادا طبيعيا لأمنها القومي، فإنه يستحيل الوصول إلى أي حل للنزاع، وتحت أي صورة، دون مشاركة مباشرة للجزائر كطرف رئيس معني في المنطقة بالصراع وآثاره، وبذلك لن تقبل أي مبادرة مستقبلا تتعامل معها بصفة المراقب، كونها الآن دولة متأثرة بالقضية الصحراوية، بالنظر إلى مخاطرها على أمنها الإستراتيجي، ما يستوجب حضورها الفعلي على طاولة التفاوض بين البوليساريو والمغرب”، هذا مقتطف من سيل من المواد الإعلامية التي باتت تكشف مؤامرة الجزائر، ودورها الخسيس في قضية الصحراء المغربية، وكيف تؤكد بالملموس كيف كان ولا يزال النظام الجزائري طرفا في عرقلة مساعي المغرب، نحو تسوية شرعية وعادلة للنزاع المفتعل للصحراء المغربية، فهذا النوع من التحرشات الجزائرية والمواقف العدائية ضد المغرب، عبر إعلان نوايا للحرب، يكشف مرة أخرى زيف ورغبة الحكام الجزائريين، في الحفاظ على علاقات حسن الجوار، وانخراط في حوار بناء وشفاف، قائم على الاعتراف اللامشروط بأحقية المغرب في السيادة الكاملة على كافة أراضيه.

فعلى ما يبدو أن ما شهدته الكركرات من أحداث متعاقبة، وما تمخض عنها من مواقف دولية مؤيدة للقرار المغربي، جعل النظام الجزائري يفقد صوابه، ويستفيق، رغما عنه، على وقع الصدمة الكبيرة، ليعاين بنفسه حجم الدعم العربي والإفريقي والأوريي للتدخل الذي قامت به القوات المسلحة الملكية من أجل طرد الميلشيات الانفصالية التي كانت تعرقل حركية تنقل الأفراد والبضائع بالمنطقة الحدودية الفاصلة بين المغرب وموريتانيا وباقي بلدان القارة السمراء.

فيوما عن يوم يتضح المنتظم الدولي ولشرفاء وأحرار العالم، بأن النظام الجزائري، تزداد عزلته داخل المحيط الإقليمي والدولي وهوما ينكشف معه زيف كل الشعارات الجوفاء التي يحملها حكام الجزائر وتصريحاتهم التي يدعون فيها أنهم طرف محايد في قضية الصحراء المغربية، فقد كان حكام الجزائر هم الطرف الوحيد الذي أبدى معارضته لقرار المملكة الحازم بإعادة المشروعية، ووضع حد نهائي للحركات الصبيانية لمليشيات مغلوبة على أمرها، وقد تركت لمصيرها من قبل قيادة اعتادت على رفاه الفنادق الفخمة، مفصولة تماما عن الانشغالات الحقيقية للقاعدة التي تدعي تمثيلها.

إذ بقدر ما كان التدخل العسكري للقوات المغربية دقيقا دقة عملية جراحية، بقدر ما كانت المفاجأة صادمة للنظام الجزائري، ليجد نفسه في عزلة رهيبة، ويشهد بأم عينه الانهيار الفجائي والكلي لروايته المغلوطة للأحداث، هو الذي عمل طيلة سنين على الترويج لأطروحاته الحاقدة بإغداق الأموال ونشر الإشاعات المغرضة لكي يحط من قدر المغرب، ويشكك في سيادته على الأقاليم الجنوبية.

وبالفعل، فإن خيبة الأمل الجزائرية، تجلت بالملموس في الهجمات الإعلامية الافتراضية ضد بلدان الخليج والأردن، بعدما عبرت عن دعمها المبدئي وغير المشروط لتدخل القوات المسلحة الملكية، والذي توخى، في المقام الأول، ضمان تدفق حركية تنقل الأشخاص والبضائع نحو باقي بلدان القارة الإفريقية. وضمنه ما وصفته صحيفة “لوطن” الجزائرية بالموقف “غير الودي” للدول العربية التي ساندت التدخل المغربي بالكركرات، في مقال لها تحت عنوان “موقف غير ودي لإمارات الخليج”، حيث اعتبرت هذه الصحيفة أن اللغة التي عبرت بها هذه الدول عن مواقفها وردود أفعالها الإيجابية اتجاه المغرب، تبقى “بعيدة عن اللغة الديبلوماسية المفروض استعمالها في مثل هذا الوضع”. ومع أنها استشهدت بوجود استثمارات خليجية بالجزائر لتعلل قولها بأن المصالح الاقتصادية هي الأساس في بناء العلاقات بين الدول، غير أن ذلك لم يعفها من أن تقر بأن الروابط التي تجمع هذه الدول مع المغرب “هي أكثر أهمية لتضع في حسبانها مصير علاقتها بالجزائر”.

أعتقد أننا بحاجة اليوم، كأكاديميين وسياسيين ومجتمع مدني، أن نسخر مزيدا من طاقاتنا ومجهوداتنا الميدانية، للكشف للعالم حقيقة سعي النظام الجزائري ورغبته الأكيدة في زعزعة الاستقرار بالمنطقة بكاملها والمس بوحدتها، فالملاحظ وبحسب العديد من المراقبين، أنه منذ عقود، والحكومات المتعاقبة بالجزائر تعمل دون توقف ودون كلل من أجل زرع كيان طفيلي داخل جسد المغرب العربي، مهما كلفها الأمر، سائرة في اتجاه معاكس لمجرى التاريخ، متجردة من كل منطق قويم، ومتحللة من أي التزام بقيم حسن الجوار، بل غير عابئة حتى بالمصالح العليا للمواطن الجزائري.

لا يخفى في هذا السياق، كيف عبر الملك محمد السادس، خلال حديثه مع الأمين العام للأمم المتحدة، بوضوح عن موقف المملكة، بخصوص استئناف المسلسل السياسي حول نزاع الصحراء المغربية، مؤكدا جلالته، أن “هذا المسلسل يتعين أن يستأنف على أساس معايير واضحة، ويشرك الأطراف الحقيقية في هذا النزاع الإقليمي، ويمكن من إيجاد حل واقعي وقابل للتحقق في إطار سيادة المملكة”.

مشددا جلالته، على تشبث المملكة الراسخ بوقف إطلاق النار، مشيرا إلى أن المغرب سيواصل دعم جهود الأمين العام للأمم المتحدة في إطار المسلسل السياسي، فبهذا الموقف القوي، يضع الملك محمد السادس الجزائر، بشكل ضمني، أمام مسؤوليتها في إنهاء هذا النزاع الإقليمي، وهو ما كرسه مسلسل الموائد المستديرة بقيادة المبعوث السابق هورست كولر، بصيغته وآلياته والمشاركين الأربعة فيه، المغرب والجزائر وموريتانيا والبوليساريو.

تأكيد المغرب على ضرورة إشراك الجزائر وتحمل مسؤوليتها كطرف حاضن وممول وداعم رئيسي لعصابة “البوليساريو”، يأتي في نظر العديد من المتتبعين، لتفادي تكرار الأخطاء التي وقعت فيها منظمة الأمم المتحدة سابقا، كما كان عليه الحال خلال الجولات الـ13 لمسلسل مانهاست، حيث كانت الجزائر تقتصر على مشاركة بروتوكولية في افتتاح واختتام المحادثات، وهو المنطق الذي قطع معه المغرب. وعلى الرغم من محاولة الجزائر اعتبار نفسها طرفاً مراقبا باعتبارها بلدا مجاورا لهذا النزاع، فإن قرار مجلس الأمن رقم 2548، الذي اعتمده مجلس الأمن في 30 أكتوبر 2020 بشأن قضية الصحراء المغربية، أشار بالتحديد إلى دور الجزائر، التي تم ذكرها ما لا يقل عن 5 مرات، بينما لم يتم ذكر هذا البلد على الإطلاق في القرارات السابقة لعام 2017؛ ما يعني أن مجلس الأمن بات مقتنعاً بأن لا حل لهذا النزاع سوى بوجود إرادة حقيقية للجزائر. لا يمكن إذن التغاضي في هذه الظرفية الحساسة التي يمر منها ملف وحدتنا الترابية، عن أبعاد وخطورة المواقف العدائية للنظام الجزائري، مالم نتعبأ جميعا لصدها، ومحاولة تفكيك زيفها، وإجبار وفضح حكام الجزائر، حتى ينكشف أمرهم أكثر أمام المنتظم الدولي الذي صفق عاليا للموقف الرصين للمغرب وللتدخل العسكري لقواتنا المسلحة الملكية في الكركرات، تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله، باعتباره رئيسا لأركان الحرب العامة، فمزيدا من التعبئة والتصدي لكل هذه المواقف العدائية.

عبد الرزاق الزرايدي بن بليوط
رئيس مجموعة رؤى فيزيون الإستراتيجية
رئيس مكتب غرفة التجارة المغربية الإفريقية البرازيلية بالمغرب