على بُعد أشهر قليلة من الانتخابات البرلمانية المقبلة، تعيش الحياة السياسية فوضى غير خلاقة بسبب ظاهرة الترحال السياسي في المغرب، وهي عملية انتقال شخص من حزب سياسي إلى حزب آخر للظفر بفرصة دخول البرلمان.
وتتنافَس الأحزاب السياسية الكبرى في المملكة على المرتبة الأولى في الاستحقاقات التشريعية، وذلك بكسب أكبر عدد من المقاعد البرلمانية، وبالتالي الحصول على رئاسة الحكومة وفق ما ينص عليه الدستور.
وطغت على الساحة السياسية ظاهرة الترحال، التي تتم غالباً بين الأحزاب الكبرى، وبموجبها يتم استقطاب أسماء سياسية من أحزاب أخرى للمراهنة عليها في الانتخابات البرلمانية.
وتهم ظاهرة الترحال السياسي في المغرب أسماء حزبية كبيرة يطلق عليهم لقب “تجار الانتخابات”، وهم أعضاء في أحزاب يتمتعون بشعبية واسعة في مناطق ترشيحهم، ويستطيعون الحصول على أكبر عدد من الأصوات الانتخابية في أي استحقاقات.
الترحال السياسي في المغرب
أصبحت ظاهرة الترحال السياسي في المغرب روتيناً مألوفاً لدى الناخبين بمجرد أن يُنادى إلى صناديق الاقتراع، وعن طريقها يتم تغيير أوزان كيانات سياسية فرضت عليها عملية ترحيل قسري لمرشحيها الذهبيين.
ظاهرة الترحال السياسي في المغرب ليست جديدة، ففي انتخابات 2016 التي فاز بها حزب العدالة والتنمية الإسلامي، لجأ حزب الأصالة والمعاصرة (أقوى حزب معارض) إلى استقطاب أسماء سياسية كبيرة من أحزاب أخرى، خصوصاً حزب التجمع الوطني للأحرار، وهو حزب إداري يقوده أمين عام يُعد من الأغنياء في العالم.
حزب التجمع الوطني للأحرار أراد أن ينقذ ماء وجهه فلجأ في 2020 إلى استقطاب بعض أعضاء الأحزاب السياسية في مناطق مغربية ليراهن عليها في الانتخابات المقبلة، وذلك بالتحايل على القانون عن طريق عدم كشف هوية المنتخبين والبرلمانيين والسياسيين الذين غيروا لونهم السياسي لصالحها.
وقالت بثينة القروي، نائبة برلمانية وعضو لجنة العدل والتشريع أعتقد إن “الترحال السياسي في المغرب هو في الأساس مشكلة ثقافية وأخلاقية مرتبطة بهشاشة قيمة الالتزام الحزبي والسياسي التي تطبع العلاقة القائمة بين بعض الأحزاب والمنخرطين فيها، وتفشي قيم الارتباط المصلحي والانتهازي المرتبط بطبيعة الظرفية السياسية وتقلباتها، في ظل فضاء سياسي مازال يشتغل بآليات الزبونية والريع السياسي”.
وفي جوابها عن سؤال “عربي بوست” هل الحل في ميثاق بين الأحزاب؟ قالت النائبة البرلمانية إنه “أمر مستبعد لأن هناك أحزاباً سياسية تنتعش وتزدهر من خلال ظاهرة الترحال السياسي في المغرب، عن طريق جلب الأعيان ومن لهم حظوظ للظفر بمقعد برلماني، فأساس تواجدها واستمرار تمثيلها في المؤسسات يقوم على الترحال”.
وبخصوص الحل القانوني والدستوري أضافت بثينة القروي “أعتقد أن الدستور في فصله 61 وكذا القانون التنظيمي للأحزاب السياسية منعا الترحال السياسي في المغرب، والذي أصبح يشمل جميع المهام الانتدابية وليس فقط البرلمان، بل إن قرار المجلس الدستوري أرسى مبدأ الوفاء السياسي، واعتبر أن حرية المنتخب في تغيير انتمائه السياسي مقيدة بحقوق الناخبين وحقوق الهيئات السياسية التي رشحته لمهام انتدابية، في نطاق تعاقد معنوي بين الطرفين”.
وأضافت المتحدثة “أعتقد أن المحيط الدستوري والقانوني، على أهميته، ليس هو دائماً المدخل لتكريس الديمقراطية كما هو متعارف عليه دولياً، إن لم يصاحبه سعي لتطوير الثقافة الحزبية والخروج منها من النفعية والمصلحية، وكذا إصلاح النظام السياسي برمته واعتبار الديمقراطية محدداً بنيوياً في أي إصلاح”.
منع الترحال السياسي
وجدت الأحزاب السياسية نفسها في حرج شديد أمام ظاهرة الترحال السياسي في المغرب، وكثرة تنقل البرلمانيين من فريق إلى آخر دون معايير واضحة، ما يكرس نوعاً من عدم الاستقرار والغموض في عمل المؤسسة الدستورية.
ففي سنة 2011، ومن خلال الدستور الأخير للمملكة منع المشرع المغربي ظاهرة الترحال السياسي بين الأحزاب، ووضع عقوبة فقدان المقعد البرلماني إذا ما ثبت تخلي الشخص عن انتمائه الحزبي، وهذا المبدأ تم تنزيله وتكريسه في باقي القوانين التنظيمية الأخرى المتعلقة بالانتخابات، سواء الجماعات الترابية أو الغرف المهنية.
يقول محمد يونسي باحث في العلوم السياسية إن “الترحال السياسي في المغرب ظاهرة يعرفها الحقل السياسي منذ بداية العمل التشريعي سنة 1962 إلى حدود 2011، حيث عمد المشرع المغربي إلى منع الظاهرة، كما نص على ذلك الفصل 61 من الدستور”.
وأضاف الباحث في حديثه مع “عربي بوست” أن “الظاهرة كانت تساهم في عدم استقرار العمل الحكومي من جهة ولا حتى الأغلبية والمعارضة من جهة أخرى، كما أنها ترسل رسائل سلبية إلى المواطن المغربي، الذي كان يستنتج أن هذه الظاهرة تعبر على أن ممارسة السياسة ليست ممارسة نبيلة، ولكنها كانت قائمة على الانتهازية واستغلال الفرص”.
واعتبر المتحدث أن “الإشكالية المركزية هل ظاهرة الترحال السياسي تساهم في عملية التحول الديمقراطي إيجاباً أو سلباً؟ والملاحظ أن ظاهرة الترحال السياسي في المغرب من العوائق البنيوية في النظام السياسي المغربي، والتي لا تساهم بشكل إيجابي في عملية التحول الديمقراطي”.
وأشار الباحث السياسي إلى أن “الظاهرة تبرز كلما اقتربت الانتخابات التشريعية، إذ نلاحظ أن هناك مجموعة من البرلمانيين والسياسيين ينتقلون إلى أحزاب أخرى من أجل ضمان فرصة لهم في الانتخابات التشريعية”.
أحكام قضائية
بالموازاة مع تفشي ظاهرة الترحال السياسي في المغرب، أصدرت المحكمة الدستورية أحكاماً بتجريد عدد من النواب البرلمانيين من مقاعدهم، عند ثبوت واقعة تخليهم عن الانتماء السياسي الذي ترشحوا باسمه لانتخابات أعضاء مجلس النواب.
وتستند المحكمة الدستورية في أحكامها على أن الفصل 61 من الدستور ينص في فصله 61 على أنه “يجرد من صفة عضو في أحد المجلسين، كل من تخلى عن انتمائه السياسي الذي ترشح باسمه للانتخابات، أو عن الفريق أو المجموعة البرلمانية التي ينتمي إليها”.
وتصرح المحكمة الدستورية بعد إصدارها للحكم بشغور المقعد، بناء على إحالة من رئيس المجلس الذي يعنيه الأمر، وذلك وفق أحكام النظام الداخلي للمجلس المعني، الذي يحدد أيضاً آجال ومسطرة الإحالة على المحكمة الدستورية.
وقال محمد يونسي، باحث في العلوم السياسية، إن “المشرع المغربي وجب عليه أن يضيف، غير ما جاء في المادة 61 من دستور 2011، وأن يبحث عن سبل دستورية وقانونية تمنع الثغرات القانونية التي يبحث عنها بعض ممتهني الترحال السياسي في المغرب لتجنب إسقاط عضويتهم البرلمانية”.
وأشار المتحدث أنه “لمنع الترحال السياسي في المغرب مع اقتراب انتهاء الولاية التشريعية، يجب إضافة مقتضى دستوري أو نص قانوني يلزم الفاعل السياسي بعدم الانتقال لحزب آخر حتى تنتهي الولاية التشريعية، هذا بالنسبة للبرلمانيين، أما فيما يخص غير البرلماني فمن حقه أن يرتحل في أي وقت، فقط عليه احترام المقتضيات القانونية المنصوص عليها في قانون الأحزاب”.