يظهر أن التقارب الحاصل بين المملكة المغربية وبريطانيا منذ شهور، تحضيرا لما بعد خروج المملكة المتحدة (البركسيت) من الاتحاد الأوروبي، أصبح محط توجس من قبل إسبانيا، التي تتابع كيف أن المغرب استطاع اختراق بقوة العالم الأنغلوأمريكي، من خلال اعتراف الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته، دونالد ترامب، بمغربية الصحراء، وتوقيع الرباط ولندن يوم 26 أكتوبر 2019 اتفاقا يقضي بالاستمرارية التجارية والسياسية مع المغرب، بهدف أن “يستفيد المقاولون والمستهلكون البريطانيون من استمرارية المبادلات التجارية بعد تنزيل البركسيت على أرض الواقع”.
الاتفاق المغربي البريطاني بخصوص ما بعد البركسيت ليس العامل الرئيس في توتر العلاقات الثنائية بين المغرب وإسبانيا مؤخر، لكنه عامل آخر ينضاف إلى عوامل أخرى من قبل الموقف الضبابي والسلبي للحكومة الإسبانية من الموقف الأمريكي الأخيرة المُعترف بالسيادة المغربية الكاملة على الصحراء؛ وتأجيل القمة الثنائية بين البلدين بعد أن كان من المنتظر أن تنعقد يوم 17 دجنبر المنصرم؛ وإغلاق السلطات المغربية معبر بني أنصار يوم فاتح غشت 2018 في وجه التهريب المعيشي قبل أن تغلق في بداية أكتوبر 2019 معابر سبتة في وجه التهريب المعيشي؛ والإغلاق الشامل للحدود بين الداخل المغربي والثغرين المحتلين سبتة ومليلية منذ يوم 13 مارس الفائت تجنبا لتفشي الجائحة؛ وتبقى تصريحات سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة المغربية، حديثا، بمثابة النقطة التي أفاضت كأس الأزمة الصامتة بين الرباط ومدريد.
مع ذلك، يبدو أن المستجدات الأخيرة التي آلت إليها المفاوضات الصعبة بين الاتحاد الأوربي وبريطانيا بخصوص “البركسيت” قبل موعد الخروج اليوم الخميس، جعلت الإسبان أكثر ارتياحا من خلال الحفاظ على نفس العلاقات الثنائية التي كانت تربطها مع إقليم جبل طارق التابعة لبريطانيا، وكذلك بعد الاتفاقيات الأخرى المرتبطة بالمجال الزراعي والسياحي. إذ إن التوافق حول كيفية تنزيل “البركسيت” ابتداء من فجر الجمعة في انتظار مصادقة البرلمان الأوروبي عليه في فبراير المقبل، أراح الدبلوماسية الإسبانية.
الصحافية الإسبانية، صونيا مورينو، أوضحت في حديث مع “أخبار اليوم” أن التقارب بين الرباط ولندن يهدد نوعا ما المصالح الإسباني في المغرب، شارحة: “من البديهي أن اتفاق ما بعد البركسيت بين المغرب وبريطانيا العظمى ينتزع الكثير من المشاريع التجارية لإسبانيا التي تعبر الشريك التجاري الأول للمغرب، لاسيما في قطاعات الزراعة والصيد”. مثلا، انتقلت “الصادرات الزراعية المغربية إلى السوق الإنجليزية من 101238 طنا سنة 2014 إلى 146434 طنا سنة 2018، بمعدل ارتفاع قدره 44.6 في المائة”. وتابعت أن عيون البريطانيين لا تنظر إلى الاقتصاد والتجارة فقط، بل “يسعون إلى المساهمة في جعل الإنجليزية اللغة الأجنبية الأولى في المغرب من خلال البعثات التعليمية”.
ومن الأسباب الرئيسية التي جعلت اللوبيات الإسبانية تتوجس من الاتفاق التجاري الجديد، هو أنه “يضمن للمغرب معاملة تفضيلية في العلاقات التجارية مع المملكة المتحدة عندما تخرج هذه الأخيرة من الاتحاد الأوروبي، كما أن المستهلكين البريطانيين سيستمرون في الاستفادة من الأسعار الأكثر انخفاضا للمنتجات المغربية، مثل الفواكه والخضروات. وسيستمر، كذلك، المستهلكون المغاربة في الاستفادة من انخفاض التعريفات الجمركية على منتجات مثل منتجات الألبان واللحوم والفواكه والخضر”.
وإذا كانت المقاولات الزراعية الإسبانية تستفيد سنويا من اليد العاملة المغربية الرخيصة (آلاف العاملات ينتقلن سنويا إلى الضفة الأخرى)، فإنه من الممكن أن يتطور هذا النوع من التعاون الزراعي الدولي ليشمل بريطانيا. وهو ما عبرت عنه صونيا مورينو قائلة: “بل أكثر من ذلك، قد يتعاقد البريطانيون في المستقبل مع اليد العاملة المغربية، ما يجعل إسبانيا تواجه منافسا قويا عند سعيها للتعاقد مع العاملات والعمال الموسميين المغاربة”.
وفي ظل النظام الإقليمي الجديد الذي قد يبرز بعد التوترات التي عرفتها المنطقة مؤخر وبعد الجائحة، فإن صونيا مورينو تتوقع أن يتراجع اعتماد المغرب على إسبانيا التي كانت تعتبر إلى وقت قريب “محاميه” في أوروبا، مرجحة أن يلجأ المغرب إلى التفاوض أولا مع الاتحاد الأوروبي بخصوص كل الاتفاقيات التي يسعى إلى توقيعها مع الدول الأعضاء فيه.