حكايات مهاجرين خاضوا رحلة العذاب إلى أوروبا عبر شمال المغرب

28 يناير، 2020 - 22:42 الأخبار الوطنية تابعونا على Lwatan

أنمون/ متابعة :

“المحطات التي تفصل بين اتخاذ الشخص لقرار ما والوصول إليه هي قطع من العذاب قد تنتهي بتحقيق المبتغى أو بالعودة إلى نقطة الصفر، والأمر ذاته ينطبق على رحلتي إلى أوروبا عبر المغرب”، هكذا عبر المواطن الكاميروني “كولو ” عن المعاناة التي عاشها في طريقه إلى “الفردوس الأوروبي” التي سمع عنها كثيرا وشاهد جزء منها في الصور التي ينشرها البعض من أبناء بلدته على صفحاتهم في مواقع التواصل الإجتماعي.

قصة “كولو” بدأت أواخر سنة 2013، حين بدأت تتجلى له مدينته دوالا الساحلية كجحيم يستحيل العيش فيه، خصوصا مع ضعف مستوى التعليم والبنى التحتية وكذا الخدمات الصحية، الأمر الذي جعله أمام خيارين لا ثالث لهما، التوجه نحو المجهول في سبيل الوصول إلى الجنة التي وعده بها أصدقاءه المتواجدين بأوروبا، او الصبر ومحاولة تربية إبنه الوحيد بالمدخول الذي يحصل عليه من العمل كحمال في مواقع البناء القليلة، ليقرر الأخير تجربة حظوظه والسعي نحو ثروات القارة العجوز بدل إفناء عمره في مكان لا ماضي ولا حاضر ولا حتى مستقبل له.

وكغيره من أبناء جيله، حمل كولو كل ما خف وزنه وإرتفعت قيمته كزاد له يعينه على الوصول بسلام إلى المغرب، الذي سيكون المحطة النهائية له في إفريقيا، حيث إستقل أول وسيلة نقل جماعية متوجهة نحو الشمال، وإتفق مع السائق على المبلغ الذي يشمل فقط أجرة الطريق دون مصاريف كل من الأكل والشرب، وهو ما تسبب في فقدانه لنسبة كبيرة من وزنه، وزيارته لعالم الأموات لأكثر من مرة أثناء الرحلة لكن الوفاة لم تكن مقدرة له بعد، حيث يحكي كولو “في طريقنا لم نكن نجد ما نسد به رمقنا، حتى الأموال التي كنا نملك لا تنفع هنا، فليس أمامنا سوى الرمال، رجال ونساء كثيرون ماتوا أمامي ودفناهم في الصحراء، لدرجة أني إعتدت الأمر وأصبح شيئا عاديا بالنسبة لي”.

“أنفي أزكم برائحة الموت والجثث، وصوتي بح من النحيب، وأذني أعياها صوت بكاء الأخرين، لكني وصلت إلى نقطة اللاعودة، فلا مكان هنا للمستسلمين إما أن نصل أو نموت ونحن نحاول، هاهي قرية بليونش تتجلى أمامي والتي منها سأحاول الدخول إلى مدينة سبتة المحتلة الواقعة تحت النفوذ الإسباني” هكذا يروي كولو معاناته لتحقيق حلمه قبل أن يضيف “كنت غير موفق لمحاولتي العبور فور وصولي إلى القرية، حيث أن التعزيزات الأمنية التي قدمت إلى عين المكان أدت إلى إعتقالي وإعادتي إلى الحدود المغربية الجزائرية، والتي منها توجهت نحو مدينة طنجة حيث أراقب الضفة الأوروبية كل مساء أملا في الوصول إليها ومعانقتها يوما ما”.

الكاميروني كولو ليس أول ولا أخر مهاجر إفريقي ينجو من عذاب الطريق إلى أوروبا، فالإفوارية “تيفا” أيضا تمكنت من الوصول إلى طنجة (محطة العبور) بشق الأنفس، ورغم أن قصتهما تتشابه من حيث المضمون إلا أنها تختلف في التفاصيل سواء تلك المتعلقة بأسباب إتخاذ القرار أو المرتبطة بجحيم السفر، فهذه الأخيرة فقدت والديها وجزء كبير من عائلتها خلال الحروب التي عاشها ساحل العاج، مما تسبب في تعرضتها لأبشع أنواع العنف والاستغلال من طرف أبناء قريتها وكذا القرى المجاورة، لتبدأ فكرة الهجرة تترسخ في ذهنها شيئا فشيئا، قبل أن تقرر ذلك بشكل نهائي.

“كنت أعلم حين بدأت الرحلة أن ما سيأتي سيكون أقسي مما عشته ومع ذلك لم أفكر أبدا في الرجوع الى الكوت ديفوار، حيث تركت هناك ابنتي وبعضا من أهلي الذين نجوا من الموت خلال الحرب”، مضيفة “تعرضت خلال طريقي إلى المغرب إلى عدة مواقف بشعة فقد كنا جميعا ضحايا لعصابات كانت تستحوذ على الأشياء التي كنا نملكها، وكانوا يفصلون النساء عن الرجال ويقومون باغتصابنا، حيث لم يتوقف الاعتداء علينا جنسيا طوال الطريق، سواء من طرف الأشخاص العابرين أو من رفاق الرحلة من المهاجرين المنحدرين من نفس بلدي الأم.

وفور وصولها إلى المغرب، قررت تيفا الإستراحة قليلا قبل مواصلة الطريق إلى الضفة الأوروبية، إلا أنها لم تكن تعلم أن هذه الإستراحة ستدوم طويلا وستمتد إلى سنوات، وذلك بعد أن تمكنت من الحصول على عمل داخل إحدى الجمعيات المختصة في إدماج المهاجرين القادمين من دول جنوب الصحراء.

وحسب دراسة أنجزتها الجمعية المغربية للدراسات والبحوث حول الهجرة واللجنة الدولية من أجل تنمية الشعوب الموجودة في إيطاليا، فإن عدد المهاجرين السريين الأفارقة بالمغرب يتراوح بين 10 و15 ألفا، يتقدمهم النيجيريون بـ15.7% يتلوهم الماليون بـ13.1% ثم السنغاليون بـ12.8% وأخيرا مهاجرو الكونغو الديمقراطية بـ10.4%، بحيث تعتبر المملكة محطة عبور أو استقرار لعدد من المهاجرين السريين ، بعضهم يتحقق حلمه وكثير منهم يسقط فريسة سهلة للغربة والتسول والفقر.

وقدمت الدراسة صورة تجسيدية لواقع الهجرة السرية، عبر إستقائها للمعلومات من عدة مصادر من أبرزها المهاجرين أنفسهم، حيث أكدت أن الهجرة اصبحت سوقا حقيقيا يحقق أرباحا كبيرة للمهربين، إذ أن أكثر من 52% من المهاجرين السريين دفعوا بين ألف إلى ألفي يورو للفرد الواحد من أجل الوصول فقط إلى المغرب بلد العبور، كما أن ثلثا المهاجرين اعترفوا أنهم لجؤوا للتوفير الشخصي للمال بعد القيام بعمل، و71% استفادوا من المساعدة العائلية، و22% من مساعدة الأصدقاء، و23% اضطروا للاقتراض.

وتطرقت الدراسة ذاتها إلى المشاكل التي تعرضوا لها في سفرهم، حيث تبين أن 80% اعتبروا الوقاية الصحية والتعب والعطش والجوع أهم المتاعب، ونحو الثلثين سقطوا مرضى، في حين تعرضت 36% من النساء للاغتصاب، وعن الطريقة التي وصل بها هؤلاء إلى المملكة، فإن أغلبهم دخل عن طريق الجزائر (75.5%) تنقل 13.2% منهم جوا وسافر 7.2% بحرا، في حين جاء 5.7% برا عبر موريتانيا.

من جهته أكد الأستاذ نور الدين كرام، الباحث في قضايا الهجرة ورئيس جمعية أصدقاء وعائلات ضحايا الهجرة السرية “أن المهاجرين يقعون ضحايا لمافيا الاتجار بالبشر والعنف والاغتصاب قبل الوصول إلى المغرب، الأمر الذي يجعلهم يصلون في حالة نفسية وصحية متدهورة، تزاداد حدتها مع إحتكاكهم بالمجتمع المغربي الذي لم يعتد بعد على وجود هؤلاء الغرباء بينهم”.

وأضاف كرام، أن ما يتعرض له المهاجرون بالمغرب ليس عنفا مبينا على العنصرية والتمييز وموجها لهم فقط، فللمغاربة أيضا نصيب مما يناله هؤلاء، لذا فإن لا مجال للمقارنة بين المشاكل التي يتعرض لها المهاجرون في بلدانهم الأصلية والطريق منها بما يحدث معهم أثناء فترة إقامتهم في المغرب.