إسماعيل الحلوتي
من المؤلم جدا أن يستمر إصرار حكام العسكر في قصر المرادية بالجزائر، الذين أطلق عليهم حرائر وأحرار الحراك الجزائري اسم “العصابة”، ليس فقط على إبقاء الحدود مغلقة بين البلدين الشقيقين، وقطع العلاقات مع المغرب من جانب واحد بذرائع واهية، والتمادي في استفزازه بمواصلة دعم ميليشيا البوليساريو الانفصالية من أجل تقسيم المغرب والعمل على تعطيل مساره التنموي، بل كذلك في اتجاه دق إسفين بين الشعبين، عبر بث بذور الحقد والكراهية في أذهان أبناء الشعب الجزائري ضد أشقائهم المغاربة، وإيهامهم بأن المغرب هو مصدر كل الشرور والمشاكل التي تحل بالجزائر، وتسخير أبواقه الإعلامية في إشاعة الأخبار الزائفة ضده وحول نظامه الملكي الرشيد.
ذلك أن ما دأبت على نهجه الطغمة العسكرية الفاسدة من افتراءات، تهدف إلى تضليل الشعب الجزائري وإلهائه عن مشاكله الداخلية وتفاقم أوضاعه الاقتصادية والاجتماعية، لا يمكن إدراجه إلا تحت مقولة الألماني جوزيف غوبلز، مهندس ماكينة الدعاية الألمانية لمصلحة النازية في عهد القائد أدولف هتلر التي تقول: “اكذب، اكذب، ثم اكذب حتى يصدقك الناس”، وهو للأسف ذات الشعار الذي يرفعه كل من الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ورئيس أركان الجيش الوطني الجزائري السعيد شنقريحة ومن يدور في فلكهم، وسيظلون أوفياء له حد الفناء والاعتماد عليه في تمرير المغالطات، حتى وإن حدث بعد ذلك ما يثبت عكس ما يدعون من أقوال كاذبة.
فهناك الكثير من التفاهات والحماقات التي ما انفكت “العصابة” تعتمدها في محاولة يائسة لطمس الحقائق، الهروب إلى الأمام وإخفاء حالة الإفلاس الفكري والأخلاقي والسياسي الذي ضرب جماجمهم، وتلك الحالة من السعار التي أصابت جل أعضائها، بسبب الخيبات المتوالية والصفعات الموجعة التي تتلقاها تباعا دبلوماسيتها الفاشلة. إذ أنه وبعد أزيد من خمسين عاما من الأوهام والأكاذيب واتباع سياسة التضليل التي أضحت مكشوفة ومفضوحة ولا تقنع إلا بسطاء القوم من “المغسولة” أدمغتهم بالغاز، وأنه مهما بلغت حدة الاستفزازات والتحرشات والحركات البهلوانية للنظام العسكري الفاقد للشرعية والبوصلة، لا يمكن أن تحول دون مواصلة قطار المغرب شق طريق التنمية بإصرار وثبات.
إذ بعد سلسلة الاتهامات الموجهة للمغرب والتي يلخصها الكابرانات في “الأفعال العدائية المتكررة” وعلى إثرها سارعوا كما يدعون إلى قطع العلاقات الدبلوماسية معه من جانب واحد في 24 غشت 2021، محملين إياه بدون خجل ولا وجل مسؤولية إشعال حرائق الغابات بمنطقة القبايل التي يطالب سكانها بالانفصال عن الجزائر، محاولين بذلك إبعاد التهمة عن نظام العسكر، الذي اعتاد على ارتكاب الجرائم البشعة ضد الشعب وتحميل المغرب أوزار كل ما يحدث في البلاد من كوارث، سعيا منه إلى شحن المواطنين الجزائريين ونيل تعاطفهم، في الوقت الذي يطالبون فيه بإسقاط حكم العسكر والعودة إلى ثكناتهم.
ليس هذا وحسب، بل إنه وفي تصعيد آخر جديد، أبت الآلة الصدئة لطبع القرارات الارتجالية والاتهامات الرخيصة إلا أن تواصل نشاطها، وتعلن السلطات الجزائرية في 22 شتنبر 2021 عن قرارها القاضي بإغلاق مجالها الجوي أمام جميع طائرات “المروك” سواء منها المدنية أو العسكرية، ثم اتخاذ الرئيس عبد المجيد شخصيا قرارا آخر في 31 أكتوبر 2021 يأمر بموجبه شركة “سوناطراك” بوقف العلاقة التجارية وعدم تجديد عقد الغاز مع المغرب، بدعوى تواصل “الاستفزازات والممارسات ذات الطابع العدواني” تجاه الجزائر.
بيد أن “الكابرانات” نسوا على ما يبدو أن يعلنوا عن إغلاق السماء من فوقهم أمام الجراد الذي لم يسلم هو الآخر من تهمة التآمر على حقول الجزائر الزراعية، بدعوى أنه يحمل هو أيضا جنسية “المروك”. إذ كثيرا ما أشارت أصابع الاتهام إلى أن أسراب الجراد التي تجتاح بعض المناطق وتقضي على الأخضر واليابس لا تأتيهم من أي بلد آخر عدا المغرب، الذي ربما يسهر على إنتاجها في معامل خاصة ويروضها على مهاجمة الجزائر دون غيرها. وإلا ما كان لذلك المذيع المغلوب على أمره بقناة “النهار” البئيسة أن يقول مؤخرا في تقرير عجيب وغريب بأن أسراب “الجراد المغربي” غزت الكثير من حقول الفلاحين بالمناطق الجنوبية والغربية، مما أدى إلى تضرر مئات الهكتارات من محاصيل الحبوب، واستنجاد الفلاحين بالمصالح المعنية لحمايتهم من هذه الآفة الخطيرة.
وللاستئناس نستحضر هنا تلك الموجة من السخرية التي تصاعدت خلال سنة 2020، والتي وصفت بأنها واحدة من أسوأ السنوات، حيث تزامن خلالها تفشي جائحة “كوفيد -19” مع زحف الجراد “المغربي” على الحقول الزراعية، وانعكاس انهيار أسعار النفط على الوضع الاقتصادي المتأزم أصلا، ولاسيما أن الشعب الجزائري الذي لا يتأثر إيجابا عند ارتفاعها، يكون على الدوام أو ل ضحايا انهيارها، لما تتخذه الحكومات المتعاقبة من قرارات وإجراءات جائرة وقاسية على القدرة الشرائية من حيث الرفع من الضرائب والرسوم والزيادة في أسعار المواد الاستهلاكية، وهكذا قابل بعضهم توالي المصائب بالقول: “كورونا أمامكم والجراد من خلفكم وبرميل النفط يغرقكم” وما إلى ذلك من التعليقات الساخرة.
إنه ليحز في النفس كثيرا أن يبتلي الله الجزائر التي تتوفر على ثروة وطنية هائلة من النفط والغاز، وتزخر بالطاقات الشابة ذات الكفاءة العالية والمؤهلة لتحمل مسؤولية تدبير الشأن العام باقتدار، وتحقيق الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية، بشرذمة من “الكابرانات” العجزة الذين يتحكمون في خيرات البلاد ورقاب العباد بقوة الحديد والنار، لما لسياستهم البئيسة من عواقب وخيمة على الجزائريين وحرمانهم من حرية الرأي والاختيار وحشو عقول أبنائهم بالأفكار السوداء تجاه الأخر في الداخل والخارج.