جسدت الناظور أهمية تجارية كبرى، قبل إغلاق المعابر مع مليلية المحتلة، إذ كانت تحتضن عددا مهما من الوحدات التجارية، سيما الكبرى منها، التي لها علاقة مباشرة باستقبال السلع المهربة من المدينة السليبة. وقدرت دراسة ميدانية لبلال بوجي، الباحث في جغرافية التهيئة ونظم المعلومات الجغرافية أنجزت سنوات قبل إغلاق المعابر الحدودية، عدد المحلات التجارية التي تضمها كبريات المراكز التجارية في 2015، بـ 2342 محلا، دون احتساب المحلات التي كان يضمها المركب التجاري المغرب الكبير، بالإضافة إلى عدد من المحلات التجارية الأخرى المنتشرة بمختلف أنحاء المدينة.
تعتبر الملابس والأحذية الجديدة والمستعملة، والنسيج والثوب ولوازم ممارسة الرياضة (الألبسة والأحذية الرياضية بالخصوص)، السلع الأكثر انتشارا بمحلات أسواق المركب التجاري وأولاد ميمون والمغرب الكبير، إذ كانت تهيمن لوحدها على 62,3 في المائة من مجموع السلع المعروضة بها، كما عرفت هذه الأسواق، قبل إغلاق المعابر بسنوات قليلة، خاصة المركب التجاري، تطورا مهما من حيث السلع المعروضة بها، سيماما يتعلق ببيع الأجهزة الإلكترونية الشخصية (الهواتف المحمولة والحواسيب)، ناهيك عن الأهمية التي كانت تحتلها “الجوطية”، المتخصصة أساسا في عرض الألبسة والأحذية المستعملة، حيث استقبلت عددا كبيرا من تجار سوق المغرب الكبير الذي نشب به الحريق في 2014.
لقد أدى انتعاش التهريب في إقليم الناظور إلى انعكاسات اقتصادية، ظهرت بشكل جلي في توفير فرص الشغل، والمساهمة في إحداث دينامية عمرانية مهمة، خاصة بالناظور وبني أنصار، فتجارة التهريب أحدثت، آنذاك، فرص شغل بالمنطقة، بل اعتبر النشاط أحد الأعمدة الأساسية للاقتصاد المحلي، سواء بالمعابر “الحمالون”، أو خارجها، مثل تجار الجملة والتقسيط بمختلف المراكز والمحلات التجارية، حتى أن الدراسة نفسها قدرت عدد النشيطين المشتغلين في النشاط التجاري، في 1985، بـ 9000 تاجر، منهم 000 4 مقيم بالناظور، و800 1 بالمراكز الحضرية (الزغنغان وبني أنصار وسلوان والعروي)، و2300 بالمناطق القروية المحيطة، أي ما يمثل مجموعه 22 من النشيطين المشتغلين بالإقليم، ومن جهة أخرى، قدر عدد الأفراد الذين يعيشون من هذا النشاط بـ 50000 فرد، أي ما يعادل ربع سكان الإقليم.
تقهقر نشاط التهريب
في 2020 بدأ يظهر تقهقر نشاط التهريب، ما انعكس سلبا على الوضعين الاقتصادي والاجتماعي بشمال الريف الشرقي، بصفة عامة، وإقليم الناظور، بصفة خاصة. ومن أبرز هذه التداعيات النزوحات السكانية التي عرفتها الناظور وبني أنصار، سواء بمواصلة الهجرة نحو الضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط، أو في اتجاه مختلف المدن المغربية الكبرى التي توفر ظروف عيش أفضل، بالإضافة إلى الانعكاسات السلبية على الاقتصاد المحلي، بسبب هجرة أصحاب رؤوس الأموال الذين لم يعد يقنعهم البقاء في المنطقة، إذ كشفت نتائج بحث ميداني أن 16,4 في المائة من الأسر المستجوبة تفكر في الهجرة نحو مدن مغربية أخرى، كما صرحت 11.7 في المائة من الأسر أن لها أسرا كانت تقطن بالناظور أو أحد المراكز الحضرية المنتمية للإقليم فهاجرت إلى مدن مختلفة.
أما عن أسباب هذه الهجرات، فكانت التصريحات تشير إلى أن 32,3 في المائة يعزونها إلى البحث عن الشغل بالنسبة إلى الأجراء، و 6,4 في المائة لمن يبحث عن مكان بتوظيف رؤوس أمواله في المشاريع الاستثمارية، و51,1 في المائة بهدف تحسين ظروف العيش (البنى التحتية…).
وارتبطت قوة الاقتصاد المحلي بالإقليم ارتباطا وثيقا بنشاط التهريب مع مليلية المحتلة، إذ ظهرت، منذ سنوات الثمانينات، بني تحتية تجارية كبرى سمحت باستقبال معظم السلع المتدفقة من المدينة المحتلة، حيث يتم جمعها وإعادة توزيعها إما بالتقسيط أو بالجملة. ولقد كانت لذلك انعكاسات إيجابية على إحداث فرص الشغل لعدد كبير من السكان المحليين، كما الوافدين سواء أكانوا ناقلين للسلع بالمعابر أم تجارا بالمركبات التجارية.
كما ساهم نشاط التهريب في الدينامية العمرانية التي شهدتها الناظور ومراكزها، غير أن هذا النشاط بدأ يشهد خلال سنوات التي سبقت إغلاق المعابر، صعوبات حدت من استمرار تطوره، مما يوحي أنه ستتراجع أهميته في الاقتصاد المحلي، بصفة خاصة والشمال الريف الشرقي، بصفة عامة، ومن ثم تقلص فرص الشغل التي يقدمها أمام هذا الوضع الصعب.
مدن شبح
منذ إغلاق المعابر مع مليلية المحتلة، عاشت الناظور وبني أنصار على وقع تراجع حاد في النشاط التجاري، نتيجة مباشرة لتوقف نشاط التهريب المعيشي، إذ اعتبرت المدينتان الأكثر تضررا، فالتوقف المفاجئ للتهريب المعيشي، جعلهما تصطدمان بواقع غير مألوف، مثل الركود التجاري الحاد وغياب بدائل، حتى تحولت بني أنصار إلى مدينة أشباح، في غياب أي نشاط يمكن أن يعيد الانتعاش الاقتصادي.
وقال تاجر، ل”الصباح”، إنه منذ لجوء المغرب إلى اتخاذ قرار إغلاق المركز الجمركي ببوابة المدينة المحتلة، توقفت الحركة التجارية للمواد المهربة، بالمقابل، عادت بعض السلع المغربية إلى الظهور، خاصة بالمحلات التجارية الكبرى، مشيرا إلى أن المستفيد أكثر من منع التهريب المعيشي يتمثل في الشركات المغربية التي أصبحت سلعها أكثر رواجا.
وبدت المحلات التجارية ببني أنصار، المتخصصة في التهريب، مغلقة، واقتصر نشاط بعض المحلات المفتوحة على بيع ما تبقى من مخزون السلع، خاصة الملابس. أما في الناظور، فقد انعكس قرار المنع على محلات بعينها، مثل محلات بيع عجلات السيارات التي اشتهرت بها، في حين انتعشت الحركة التجارية بالميناء، الذي يعيش “أزهى” فتراته التجارية.
جريدة الصباح