لوطن.كوم/صورة تعبيرية
تحت جنح الظلام، وعندما تغيب الشمس وتخلي المدينة عن صخبها وضوضائها، تنبثق ظاهرة سوداء تُلقي بظلالها على مدينة الناظور، ظاهرةٌ تُغرق شوارعها، وتُهدد شبابها، وتُنذر بمخاطر جمة على المجتمع.
رصد “لوطن.كوم” خلال الأيام الماضية، انتشار ظاهرة الدعارة بشكل لافت في أبرز شوارع مدينة الناظور، حيث تحولت بعض الأماكن، مثل شارع الحي الإداري والساحة المقابلة لسوق المركب والمحطة الطرقية، ليلا، إلى نقاط التقاء بين بائعات الهوى والراغبين في شراء المتعة الجنسية، دون أي رادع أخلاقي أو قانوني.
مشهد صادم
في أحد أيام الرصد، لفت انتباه طاقم الموقع، تواجد فتاة شابة، لا يتجاوز عمرها العشرين عامًا، تقف على قارعة الطريق في شارع الحي الإداري، ترتدي ملابس فاضحة، وتتلوى بجسدها بطريقة مُغرية، مُعلنة عن “سلعتها” دون خجل أو خوف.
اقتربنا منها بحذر، وحاولنا التحدث إليها، فكانت البداية خجولة، لكن سرعان ما انطلق لسانها بحكايات تُدمي القلب، وتُظهر مدى عمق المأساة التي تعيشها هي وفتيات أخريات مثلها.
“اسمي سلمى (اسم مستعار)، عمري 21 عامًا، دفعتني ظروف قاسية وظلم مجتمع جائر إلى هذا الطريق المظلم.”
سألناها عن قصتها، فأجابت: “كنت أعمل خادمة في أحد المنازل بالدار البيضاء، لكن صاحب المنزل طمع فيّ، وحاول الاعتداء عليّ، فما كان مني إلا أن هربتُ خوفًا وعارًا، فلم أجد أي مأوىً آمنًا، ولم أستطع العودة إلى عائلتي خصوصا بعد وفاة والدتي وزواج والدي بإمرأة أخرى لا ترى في سوى مصدر يدر عليها المال، فجرفتني الحياة إلى هذا الطريق القاسية.”
تابعت سلمى سرد حكايتها، مُغالبَة دموعها التي انهمرت على وجنتيها: “في البداية، شعرت بالخجل والعار، لكن مع مرور الوقت، قست عليّ الحياة، ولم أجد أي مخرج من هذا المستنقع، حاولتُ مرارًا وتكرارًا التخلص من هذه المهنة، لكنّ قسوة الواقع وظروفه الصعبة تدفعني للعودة إليها مجددًا.”
لم تكن سلمى استثناءً، فمعظم الفتيات اللواتي التقينا بهنّ في جولتنا، كنّ ضحايا ظروف قاسية وظلم اجتماعي، حسب رواياتهن، دفعهنّ إلى ممارسة الدعارة كآخر وسيلة للبقاء على قيد الحياة.
وخلال ذلك، التحقت بها فتاة أخرى، تبدو أكبر سنًا من سلمى، ترتدي ملابس رثة، وتحمل آثار التعب على وجهها.
اقنعتها سلمى بالتحدث الينا وقص حكايتها ودوافعها لإمتهان أعرق مهنة في التاريخ، وبعد التردد قليلا، وافقت على الحديث شريطة عدم تصويرها او كشف هويتها.
“اسمي أحلام (اسم مستعار)، عمري 27 عامًا، جئت إلى الناظور من فاس هربًا من ظلم عائلةٍ لم تقدر ظروفي الصعبة.”
سألناها عن سبب ممارستها للدعارة، فأجابت: “أنا مدمنة على المخدرات، منذ أن هجرتُ عائلتي، لم أجد أي مصدرٍ للرزق، فجرفتني رغبتي في الحصول على المخدرات إلى هذا الطريق المظلم.”
تابعت سرد حكايتها، مُغالبَة مشاعر الخوف والندم التي انتابتها: “أشعر بالعار والخجل من نفسي، لكنّني لا أملك أي مخرج من هذه الدوامة، حاولتُ مرارًا وتكرارًا التخلص من الإدمان، لكنّ قلة المال وصعوبة الحصول على العلاج، أعاقا مسيرتي نحو حياةٍ أفضل.”
تحدثت الفتاة عن محاولاتها للتخلص من الإدمان والاندماج في حياة طبيعية، “حاولت اللجوء إلى بعض الأصدقاء، ولكنهم استغلوني بدلًا من مساعدتي، فلم أجد شخصًا يمد لي يد العون بصدق.”
مشهد آخر
وبينما كنا نتحدث مع احلام، توقفت سيارة فخمة من نوع مرسيدس غير بعيد عنا، لم يمر وقت طويل حتى اقتربت فتاة من السيارة، ولم تكن الفتاة سوى سلمى التي تحدثت الينا، توقفت لبضع لحظات لتتحدث مع السائق، ثم فتحت الباب وصعدت إلى داخل السيارة بسرعة، واختفت السيارة في الظلام.
تابعنا المشهد بحذر، ورأينا كيف يتم التفاوض والتعامل في هذه البيئة التي تغيب عنها كل القيم الإنسانية.
الحياة في الظل
العيش في هذا العالم المظلم ليس بالأمر السهل، تستمر أحلام في حديثها: “نحن نعيش في خوف دائم، نحن عرضة للاستغلال والعنف من قبل الزبائن والوسطاء، نحاول البقاء على قيد الحياة يوما بعد يوم، ولكن الحياة تزداد صعوبة مع مرور الايام.”
تشير الفتاة إلى أن الدوافع المادية ليست السبب الوحيد لممارستها الدعارة، بل هناك أيضًا الحاجة إلى الانتماء والشعور بالقيمة، حتى وإن كان ذلك ضمن دائرة مغلقة من المستغلين والزبائن، “البعض يعتقد أننا نفعل ذلك من أجل المال فقط، لكن الحقيقة أننا نبحث عن الأمان والقبول، حتى وإن كان ذلك في بيئة قاسية وغير إنسانية.”
البحث عن الأمل
رغم كل هذه الصعوبات، لا تزال هناك بصيص أمل يظهر بين الحين والآخر، “أحلم بأن أتمكن من ترك هذا العالم والبدء من جديد، أريد أن أعيش حياة كريمة، أحصل على عمل محترم، وأكون جزءًا من مجتمع يقبلني ويساعدني على النمو.”
الأمل، رغم ضعفه، يبقى دافعًا قويًا للعديد من الفتيات مثل احلام للبحث عن طرق جديدة للخروج من هذا المستنقع، “نحتاج إلى فرص حقيقية، إلى أشخاص يؤمنون بنا وبقدرتنا على التغيير، بدون ذلك، سنظل كما نحن، بل وسيسوء الامر أكثر”.
ظاهرة الدعارة عموما هي نتاج ظروف اجتماعية واقتصادية قاسية تدفع العديد من الفتيات إلى هذا الطريق المظلم، ورغم ذلك، تجريم القانون لهذه الممارسة ونبذ المجتمع لها يضيفان أعباء إضافية على هؤلاء الفتيات، مما يجعلهن عُرضة للمزيد من الاستغلال والعنف.