الطَّوارئ الصِّحية وسؤال الشعور بالمسؤولية الجماعية

3 أبريل، 2020 - 00:03 الرئيسية تابعونا على Lwatan

بقلم : حسام حولّيش

خَصَّص المشرّع المغربي في دستور 2011، عدة فصول للحريات والحقوق الأساسية، منها ما ورد في الباب الثاني؛ الذي تضمن تفصيل الحقوق والحريات.
ناهيك عن ما جاء في تصدير الدستور لمثل هذه الحقوق التي تناولها قبل متن الدستور نفسه، وقد يثور نقاش هنا حول القوة القانونية للقواعد الدستورية، لاسيما تلك المشار إليها في التصدير وعرض المواقف المتباينة بشأنه فإن المشرع المغربي حسم في هذه القضية؛ إذْ نصّ بصريح العبارة على أن ” يشكل هذا التصدير جزءا لا يتجزأ من هذا الدستور” والمقام لا يتسع للتفصيل أكثر في عرض هذه المواقف.

هذه القراءة القانونية المتواضعة:
بمجرد إعلان بلادنا حالة الطّوارئ الصحية كإجراء احترازي للحد من انتشار وباء كوفيد 19، عهد الإشراف والسهر على تطبيق هذه التدابير وما تقتضيه إلى رجال السلطة، حيث الإشارة هنا إلى حسن المجهودات المبذولة من قبل الإدارة الترابية والسلطات الأمنية بمختلف تلاوينها والتي عكست دينامية وانخراطا متواصلا وفاعلا، يستحق كل الشكر والتنويه، إلا أنه في المقابل سجلت تصرفات وانحرافات شهدتها المدن المغربية من تدخلات بعض رجال السلطة تم توثقيها بالصوت والصورة شابتها ممارسات بمظاهر من القساوة والإفراط في التدخل، دون إعمال القانون المؤطر للحالة التي يشتغلون فيها والتي قد تصل إلى عقوبات سالبة للحرية.

وهاته الانحرافات التي ما أردنا أن تكون قد تم تسجيلها منذ بدء العمل بحالة الطّوارئ الصحية، كانت الأمر الذي يتعارض مع مجموعة من القيم الكونية والقواعد القانونية، ولا سيما القواعد الدستورية التي تكتسي صبغة السمو، وشكلت ضربا صريحا في عمق مبدأ سيادة القانون الذي هو آلية فعلية للدّيمقراطية باعتبار هذه الأخيرة منظومة جامعة لكل حقوق الإنسان.

حيث هناك صلة وثيقة جدا فيما بين الديمقراطية ومبدأ سيادة القانون، وهذا ما صار عليه الإعلان العالمي بخصوص الديمقراطية والتي تم اعتمادها من قبل مجلس الاتحاد البرلماني وجاء في إحْدى بنوده السابع والثامن الذي يتحدث عن مبادئ الديمقراطية بأن:

“تقوم الديمقراطية على سيادة القانون، ومباشرة حقوق الإنسان، وفي الدولة الديمقراطية لا يعْلُو أحد على القانون والجميع متساوون أمام القانون.
يمثل السَّلام والتنمية الاقتصادية والاجتماعية شرطا للدّيمقراطية وثمرة من ثمارها؛ ومن ثم فإن الترابط وثيق بين السلام والتنمية واحترام سيادة القانون وحقوق الإنسان”.

استقراء لصياغة الفصل 22 من الدستور لا سيما الفقرتين الأولى و الثانية منه نجدها تنص بصريح العبارة: ” لا يجوز المس بالسلامة الجسدية أو المعنوية لأي شخص، في أي ظرف، ومن قبل أي جهة كانت، خاصة أو عامة.

لا يجوز لأحد أن يعامل الغير، تحت أي ذريعة، معاملة قاسية أو لا إنسانية أو مهينة أو حاطة بالكرامة الإنساني”.

وهكذا نجد أن الفصل 22، الوارد في الباب الثاني؛ المتعلق بالحريات والحقوق الأساسية، في الصياغة تفيد ضمنيا أنَّه رغم وجود أي ظرف كيفما كان فإنَّه لا يَنْـبغي المس بالسلامة الجسدية أو المعنوية لأي شخص، تفيد ضمنيا أنه رغم إنفاذ حالة الطّوارئ فإنه لا ينْبغي المس بالسلامة الجسدية أو المعنوية لأي شخص تحت أي ظرف اقتضى ذلك حسب الدلالة الضمنية المستفادة من عبارة:” في أي ظرف ” والشاهد أيضا نجد عبارة : ” لا يجوز لأحد أن يعامل الغير، تحت أى ذريعة…”

على مقتضى هذا بإمكاننا الخروج بجرد تفصيلي، للقواعد التي قَـنَّنها وحَصَّنها الدستور المغربي، لتصبح ملْزِمَة ولو على الأقل أخلاقيا، بحيث ينتاب من خرقها تأنيب على مستوى الضمير وسؤال مؤشر خضوعه للقانون، حسب الآتي :

– وضع المشرع الدستوري قاعدة ثابتة لعدم المس بالسلامة الجسدية أو المعنوية في أي ظرف وتحت أي ذريعة، وبهذا يقطع الطَّـريق على التذرع بذريعة الاستثناء.

– ضبط إيقاع التدخل فجعلها في عمومها ممنوعة من أي جهة كانت، خاصَّة أو عَامَّة.

وبهذه القواعد، لاسيما المتعلقة بترسيخ حقوق الإنسان يكون المشرّع الدستوري قد تماهى حقيقة مع حقوق الإنسان المتعارف عليها عالميا، والتي تعهد المغرب العضو النَّاشط في المنظمات الدولية، بالتزام ما تقتضيها مواثيقها من مبادئ وحقوق وواجبات. كما تعهد أيضا بحماية منظومتي حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني والنهوض بهما، والإسهام في تطوريهما، مع مراعاة الطَّابع الكوني لـتلك الحقوق، وعدم قابليتها للتجزيء.

ومن تمام حسن الموضوع أن نتساءل، فيما إذا كان التعنيف والزجر سَيُفيد في تطبيق والتزام أكبر بحالة الطوارئ الصحية؟

قد يبدو من الجانب النظري -والواقع خير شاهد- أن ذلك أفيد لمجتمع تكاد تنْعَدِم فيه الثقافة الصحية ولا يرتدع إلا بالزجر، إذ أن إعمال ما يعرف بالقانون النَّاعِم أو المتسامح سَيُتيح فرصة أكثر لخرق أكبر. إذ أن إزاحة القانون عن سكة التطبيق والتساهل فيه يرينا النتائج المرتقبة من ذلك.

رغم كل هذه المبررات فإن ذلك يبقى نظريا، ولا ينبغي المس بسلامة أحد تحت أي ظرف واستثناء. ورغم كل هذا فلا ننفي مشروعية العنف الواجب والمحدود في أحايين معينة وضيقة؛ مما يوجب الحذر، وذلك حماية للجميع.

وزيادة في حماية الأغيار إزاء حالة الطورئ الصحية يستوجب الاحتياط أكثر؛ وأن يكون ذلك مصحوبا بتنفيذ ما قرَّرته سلطات الدّولة لدفع أي ضرر مرتقب جراء انتشار الوباء بشكل مقلق، ونحن نعلم أنه كان لإعلان حالة الطَّوارئ الصحية أسبابه الـدَّافعة إليه، ومنها احتواء واحتباس الوباء من الانتشار، إذ أثبتت هذه الطريقة إمكانية نموذجِيَّة لإيقاف زحف الوباء التي قد يدفع المغْرب بسببه كلفة باهظة. خاصة أن مؤشرالإصابات في تزايد مستمر.

في ظل هذا التخوف من العواقب الخطيرة المجهولة أو الغير معروفة، التي أصبحت تطوقنا من كل جانب، ولئلا يدعي علينا أحد التهويل في العبارة المناسبة للإشعار بخطورة الوباء الذي أخذ يفتك بالـعَالَم؛ فإنه يجب مراجعة الإجرءات المتخذة على صعيد الدول الغربية ولا سيما التي تصنف في خانة الدول العُظْمى، وهذا كاف لِنَخْرج بالقناعات التي تبرهن على صحية ومعقولية ما قرَّرته الدولة المغربية.

وإذ لا حاجة لنا في الاستشهاد هنا بتصريحات المدير العام لمنظمة الصّحة العالمية وخبراء هذه الأخيرة الذين يقررون ما تقضي هذه الحالة، فإن واقع الحالة الوبائية كاف لكي نزداد قناعة وفهما، لخطورة الوضع الصحي وضرورة التدقيق في تمدد الخريطة الوبائية التي تعكس بشكل يومي وآني ارتفاع حصيلة الوفيات عبر العالَم، وهي حصيلة ثقيلة تستوجب منا الوعي بحجم المخاطر المحدقة بنا.

وإذا كان هناك من قد يرى في السيناريوهات المحتملة أنه مبالغ فيها ولا يصدّقها رغم صدورها عن جهات رسمية؛ فإن عَليْه أن يتذكَّر ما نقلناه سابقا عن الإجراءات الاحترازية المماثلة على صعيد دول عظمى والتي أكدت عدم نجاعتها؛ رغم متانة البنى الصحية عندها.

وحتى إذا لم يحصل شيء من هذه السيناريوهات المحتملة، فإن الأزمة الحالية لا بد وأن تترك في نفوسنا آثارا إيجابية.

بل إن هذه الأزمة بدأت ترخي بظلالها بالفعل على مستويات مختلفة، وهو ما انتبهت إليه الدولة وصاحبته بمبادرات… استعملت فيها مختلف المقاربات: اجتماعية اقتصادية…

واليوم، إذا قلنا أنَّنا أمام ممر يصعب تجاوزه بدون تضافر الجهود، حكومة وشعبا، كي نحد قليلا من هذه التدخلات المشوبة بالقساوة، فالحمد لله أنّ فئات واسعة من الشَّعْب المَـغْربي أبدوا تفهمهم تجاه الإجراءات المتخذة إلا أن النَّاس لم يأخذوا مسافة واحدة ليصلوا إلى هذا المستوى؛ الذي أخذ يظهر بشكل محْـترم، حيث التفهم والالتزام، ذكورا وإناثا، من غير إكراه وإنما عن طواعية، على أمل أن يكُون ذَلِك هو حال الجميع، ومن المؤكد سيسجلها التاريخ ذكرى خالدة في صفحات التضحية من أجل الوطن في أَحْلك الظروف والأزمات.

سيظل هذا المقال ناقصا؛ إن لم نشر إلى مبادرة عاهل البلاد الملك محمَّد السادس -وفقه الله- إلى إحْداث الصندوق الخاص بتدبير جائحة “فيروس كورونا” المستجد، والذي يهدف أساسا إلى تغطية الـنَّـفـقات المتعلقة بتأهيل المنظومة الصحية ودعم الاقتصاد الوطني والنفقات المتعلقة بالحفاظ على مناصب الشغل والتخفيف من التداعيات الاجتماعية لهذه الجائحة.

إن هذا المستوى في التعاطي مع هذا الوباء يشكل إمتحانا وفرصة لبناء وتوثيق الصلة بين المواطن ومؤسسات الدولة، بما يستلزمه منا من رص الصفوف وتضافر الجهود إلى جانب السلطات المحلية المعنية بالسهر على تطبيق حالة الطوارئ، وهكذا سرعان ما سندشن بيئة جديدة مع مؤسسات الدولة والشعب، لِمَ أبان عليه هذا الأخير من تآزر وتفهم، جعلت رجال الأمن والسلطة المحلية رأس حربة وفي جبهة ومسافة واحدة لمحاربة هذا العدو المخفي.

وفي الأخير لا جدوى من دَسْترة حزمة مهمة من الحقوق والحريات الأساسية ما لم يتم ضبط وإحكام سلوكات رجال المؤسسات المعنية؛ وأن تَنْتَظم هذه السلوكات وتتماهى بشكل لصيق وفق ماهو منصوص عليه قانونا، وأن تكْبَح بلجام من حديد وفقا للقواعد الدستورية، وبه سنستشف ونحس بتطبيق القواعد الدستورية بشكل ملموس و واقعي.

وبوجه عام، والواقع شاهد أن هناك استثناءات تقدِّم صورة إيجابية عن طينة من خيرة موظفي الدولة في هذه الظرفية العصيبة الحاملين لهواجس الوطن والمواطنين، ولعل القارئ -المحترم- سيجد ذلك في تسجيلات منثورة ومنشورة بمزيد من التفاصيل حول مظاهر إيجابية لتعاطي رجال السلطة مع المواطنين وقد تكون القائدة “حـوريــة” نموذج حي من بين نماذج كثيرة تركت بصمتها في هذه الأزمة العابرة إن شاء الله.