بقلم: أمين ديو
نعم و لما لا !!
هكذا كان أول تحد نخوضه انا و زملائي في الحجر الصحي بعد تسجيل أول حالة بالناظور للسيد (ع.ح) ، المدينة على آخرها كانت تنتظر متى نشهد أول حالة و عندما آتى الْيَوْم شهدنا جميعا ذاك الترقب الشديد و ذاك الخوف ! ما يروج في الاعلام العالمي سيجعل من ذهنك حبيس الأفكار السلبية و كثرة الستريس في حياتك اليومية .
شخصيا إتطلعت تقريبا على جل أنواع التعامل مع مرضى Covid-19 بالعالم (les prises en charges) و ما كان مبينا أن جلهم يلعب على الدور النفسي و الغذائي و الحفاظ على توازن الأنظمة الحيوية (les paramètres vitaux)للمريض كما كل الأشياء و الأفعال المحفزة لمناعة هذا الأخير .
وجدت أن جل هذه الأمور لن تستعصي علينا و لن تجعل بيدنا قصيرة هذه المرة بل سنستطيع و بعزم توفير ما يمكن توفيره لاستعادة هذا المريض و التي كانت أول أيامه جد صعبة و معقدة ، فالسيد (ع.ح) يعاني من أمراض مزمنة كمرض السكري و ضغط الدم بالاضافة الى أن سنه يفوق 80 سنة ، بالاضافة أن هذا الكوفيد19 سبب له سعال حاد و جفاف بالحلق بالاضافة الى صعوبة في التنفس و درجة حرارة كانت عند 38٠c .
حسنا يمكنك و لوهلة أن تجمع جل هذه المعطيات و تحدث لها إسقاط على القرارات أو كيفية التكفل بهؤلاء المرضى في الدول المتقدمة لربما سيعطينا مؤشرا غير الذي وصلناه نحن الآن هنا ، فقط تخمين ،لا يهم .
يوم 19-03-20 كانت أول أيام(ع.ح)داخل الحجر ، نفسيا لم يستوعب بعد ماذا يفعل هنا ، إنتابه إحساس على أنه و لربما لن يشفى بعد هذا و على انه ينتظر في آخر أيام عمره ، ففي كل مرة يرى أمامه أناسا مغلفين عن آخرهم ، نظارات سباحة و لباس أبيض يطوف أمامه . عندما سألته أول مرة عن حالته فأجابني و عيناه غير موجهة لي ، أريد ماء فقط و أشعر ببعض البرد ، ذهبت لآتيه بالماء و قمنا بتغطيته بفراش آخر ،حتى أحس بالدفىء ، استمرينا بإعطاء أدويته و لكن دون استجابة توحي على ابتسامته أو بصيص أمل يمكن أن يخرجه من هذه الفترات.
السيد عبد العزيز خلال أسبوعه الأول كان خاضعا لمراقبة مكثفة و منها ربطه بجميع الأجهزة التي تقيس ضغط الدم و ضربات القلب بالإضافة الى درجة الحرارة ، و أهم شيء قياس النسبة المئوية للتنفس و الذي يجب أن يكون أكثر من 90% ليستمر في مصلحتنا ، حيث أنه اذا قلت النسبة سيتم تحويله مباشرة الى مصلحة إنعاش الكوفيد19.
في الاول كانت الأمورة معقد ، السيد (ع.ح) حالته الجسدية منهارة لا يستطيع النهوض أو التحرك ، هذا سبب لنا مشكلا على كيفية تقديم العلاجات بجميع أصنافها ، قيساته للانظمة الحيوية كانت متفاوتة ، عملنا جاهدين لتنظيمها و الحفاظ عليها في مستواها العادي ، بالتوازي مع توفير جميع المستلزمات للمريض منها الغذائية و النظافة كما العلاجية ، مجهود جبار يقومون به الممرضون لحد الساعة.
كانت استجابة واضحة بمرور الأيام و خاصة أن كمية السكري في الدم استقرت و هذه الاخيرة حين تكون مرتفعة تجعل من الجسم فضاءا مناسبا ليزداد الفيروس من حدته ، ولكن ولله الحمد مع وضع بروتوكول مدروس استطعنا الحفاظ على استقرار كمية السكري داخل الدم طيلة تواجده معنا داخل الحجر.
استمرنا في مراقبته و اعطاءه لدواء الكلوروكين و الازيتروميسين كما هو منصوص في البروتوكول الوزاري ، بشكلي منتظم و يومي و في ساعة محددة بين الصباح و الليل فمع مرور الوقت بدأ يستجيب المريض بشكل تصاعدي ، بدت بذور أمل قد أينعت ، لكن لم يحن بعد وقت قطافها.
عند مرور اول أسبوع استطاع المريض و لأول مرة النهوض وقضاء حاجياته لوحده ، استرجع قواه الجسدية و دينامياته المعتادة و حتى الشق النفسي كان حاضرا لاسيما أننا نخصص له حصصا كل يوم حين دخولنا له ومحاولة تغيير أجوائه السلبية إلى الإيجابية فبدى أيضا أن الأمر يجدي نفعا وبدت الثمار تلقي بزهورها.في أحد المناوبات قُدم له العشاء ، فلم تكن شهيته مفتوحة وهذا راجع للدواء الذي نعطيه له ، المهم قلت له هل أجلب لك بعضا من الحريرة، لقال لي “ثاحراث واه أذوثاغ يماس” فضحك هو و ضحكنا جميعا داخل الحجر ، هنا استكشفت ذاك الانسان البشوش و الفكاهي وراء كل هذه الأزمة ، فأصبح الحجر يوميا دعابة و مرح و نكت مع المريض حتى إزران ناريف كانت حاضرة كمثال”ايارحاج أغيراس أياميس اذورا، واشيغريب زمان وسا عاذ ذ كورونا” ، ستكونون قد رأيتموه في الميديا كيف يتكلم و يعبر ، فداخله طفل صغير يحب الحياة و المرح .
بعد كل هذا استطعنا الانتقال من مرحلة حرجة الى اخرى مستقرة أحسسنا نحن كطاقم تمريضي بالارتياح و بعض من هرمونات الفرح تغلغل داخل نفوسنا ، فدائما الحالة الأولى في اَي مجال أو شيء تكون لها خصوصياتها ناهيك على كل المجهودات و الساعات المتواصلة داخل الحجر .
بعد أن استكمل السيد (ع.ح) جميع محطاته المتعلقة بأخذ دواء الكلوروكين و الازيتروميسين ، اختفت على محياه جميع الأعراض التي دخل بها في الاول ، فأصبح الامر واضحا أن السيد دخل مرحلة الشفاء لكن هذا لن يكون مؤكدا الا بأخذ عينة أخرى قصد التحليل ، فكانت النتيجة سلبية بالفعل ، فرحنا جميعا لهذا الخبر ، لكن يجب أن تؤكد مرة أخرى و قمنا بتحليلة أخرى فأتت الأمور بسلبيتها ، هنا استغرق الامر بعض الوقت للتأكيد لأنه في مرحلة ما تم إعادة التحاليل المهم كل هذا للتأكد من أن الفيروس قد اندثر بشكل نهائي .
هذا كان فقط ملخصا ل 27 يوم قضاها معنا السيد (ع.ح) داخل الحجر ، قد أكون نسيت عدة أشياء فأنسى سريعا لكن وددت أن أتقاسم معكم بعض اللحظات .
العامل النفسي هي ركيزة العلاج ، كتجربة .
أود أن أشكر الطاقم الصحي بجميع فئاته كما أونه أن 90٪ من المجهودات يقدمها الممرض من ألفها الى يائها فأنا جد فخور لإنتمائي لهذا الجسم المثابر .
تبقي الحالة الاولى و شفائها كتحد أول اجتزناه بنجاح، الان وصلنا ل 31حالة، نتمنى و من كل قلوبنا الاستمرار على نفس النهج و الوتيرة الى غاية الانتصار بإذن الله .
دمتم ودمنا لهذه الجائحة سدا منيعا .