بقلم ياسين الحسناوي
في مشهد غارق بالدموع والألم، تُسقط الفيضانات حزنها في منطقة فالينسيا شرق إسبانيا، مخلفةً وراءها مأساة كبرى؛ أرواح أزهقت، وعائلات فقدت أحباءها، ومنازل صارت أطلالاً.
هذا الفقد تجاوز حدود المكان، ليصبح مادة للنقاش والتهكم في زوايا التواصل الاجتماعي، حيث لم تقتصر التعليقات على التضامن أو التعاطف، بل حملت معها رسائل ساخرة، تربط بين ضعف البنية التحتية في إسبانيا، وبين ما تعانيه مدن ومناطق مغربية من معضلة مماثلة كل عام، حيث تهدد مياه الفيضانات استقرار البيوت، وتترك الخسائر في الأرواح والممتلكات.
لا يمكن إنكار أن هذه المقارنات تحمل معها شعورًا مزدوجًا، بين المفارقة ومرارة الحقيقة؛ ففي حين ترتفع الانتقادات لإسبانيا، يُترك الباب مفتوحًا للتساؤل: كيف نتجرأ على هذا النقد ونحن لا نزال نعاني من نفس المشكلة المزمنة؟ في كل شتاء، تواجه البنية التحتية في مدننا وقرانا اختبارًا صعبًا، وما تلبث أن تفشل أمام الأمطار، فتظهر المدن بلا حراسة ولا حماية، وهو مشهد يُعاد سنويًا، يثير غضب المواطنين وسخريتهم، لكنه لا يغير شيئًا من الواقع الذي ما يزال ثابتًا، كأنه قدرٌ أبدي.
وفي هذه التعليقات المتناثرة، يلجأ البعض إلى مقارنة لا تصمد أمام الواقع، حين يزعم أن أوضاعنا ليست بأسوأ مما يعانيه أهل الجارة الإيبيرية، وأن ضعف البنية التحتية ليس حكرًا علينا، غير أن الحقيقة هي أننا، وإن تشابهت الكوارث، فنحن نفتقر إلى ما تملكه الدول الأوروبية من خطط احتياطية وميزانيات تُرصد لمعالجة الأزمات.
في إسبانيا مثلا، قد يُخفق المسؤولون أحيانًا في مواجهة حجم الكارثة، ولكن هناك دائمًا محاولة لتدارك الأمور، اجتهاد حقيقي يقابله أجر النجاح أو ثمن التعلم من الخطأ، أما في المغرب، فكأن الأزمات الموسمية هي مجرد فصول تتكرر دون درس يُستفاد منه، ودون تطوير في البنية التحية يجعل المدن المغربية قادرة على صد مياه الفيضان أو التخفيف من آثارها.
هنا، لا يسعني إلا أن أستذكر حديث النبي ﷺ، حين قال: “إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر”، وهو ما يعكس حكمة الاجتهاد حتى في الخطأ، فالحاكم أو المسؤول الذي يسعى بصدق، ويخطئ رغم جهده، يُحسب له هذا الجهد، ويكون خطأه خطوة نحو تحسين قادم، وفي إسبانيا، نرى هذا الاجتهاد والبحث الدائم عن حلول، بينما نحن نواجه كوارثنا دون أدنى جهد، دون أن تكون هناك خططٌ استباقية لحماية المواطنين، وكأن الاجتهاد رفاهية لا نمتلكها.
الفرق الحقيقي هنا يكمن في روح المسؤولية؛ فهناك التزام بالبحث عن الأجر من خلال العمل، حتى لو صاحبه بعض الفشل، وهناك يقين بأهمية التطوير والبناء في سبيل حياة أفضل للمواطنين، أما في أوطاننا، فتتلاشى هذه الروح، لنبقى عالقين في دوامة المقارنة، ولتبقى الكوارث كأنها مجرد صور عابرة في نشرات الأخبار، دون أن تدفعنا إلى التفكير بعمق أو اتخاذ خطوات جادة للتغيير.