أنمون: رضوان بن شيكار
تقف هذه السلسلة من الحوارات كل أسبوع مع مبدع أو فنان أو فاعل في أحد المجالات الحيوية في أسئلة سريعة ومقتضبة حول انشغالاته وجديد إنتاجه وبعض الجوانب المتعلقة بشخصيته وعوالمه الخاصة.
ضيفة حلقة الأسبوع الإعلامية والكاتبة غادة الصنهاجي.
(1) كيف تعرفين نفسك للقراء في سطرين؟
كاتبة وإعلامية مغربية، أصدرت أربع مجموعات قصصية، تكتب عمود الرأي، تعدّ وتقدم البرامج الثقافية التالية: “ثقافة بلا حدود”، “كتاب اليوم”، “كتب ممنوعة”، “شاعر في خلوته”، “لقاء خاص” على القناة الفضائية المغربية تيلي ماروك Télé Maroc .
(2) ماذا تقرأين الآن وماهو اجمل كتاب قرأته ؟
أقرأ الآن كتاب “يوسف والبئر..أسطورة الوقوع في غرام الضيف” للكاتب فاضل الربيعي، وكل الكتب التي قرأتها أعتبرها جميلة، والأجمل منها تلك التي لم أقرأها بعد وتجعلني في شوق لأفعل.
(3) متى بدأت الكتابة ولماذا تكتبين؟
بدأت الكتابة مع أول حرف تعلمته في المدرسة الابتدائية، وأكتب كما أتكلم وكما أنصت وكما أرى، ولا أجد بين هذه الأفعال فرقا بيّنا، وحريّ بنا أن نسأل العاقل المتعلم لماذا لا يكتب؟ وليس العكس.
(4) ماهي المدينة التي تسكنكي ويجتاحك الحنين الى التسكع في ازقتها وبين دروبها؟
لا تسكنني مدينة واحدة وقد عشقت مدن الروم ومدن الأندلس ومدن الأناضول ومدن الجرمان وغيرها، ويجتاحني حنين دائم إلى التسكع في أزقتها ودروبها لأنتقل زمنيا ولو بشكل مؤقت إلى عصور خلت دون أن تقفل في وجوهنا أبواب الأثر.
(5) هل انت راضية على انتاجاتك وماهي اعمالك المقبلة؟
لست راضية تمام الرضا ولست ساخطة تمام السخط، فبين مدّ الاطمئنان وجزر القلق، أحاول ألا يجرفني تيار اليأس وألا أمنح كلّ الثقة إلى البحر، على الشاطئ لفحات النقد، وأحيانا استجمام للتصالح مع النفس. أعمالي المقبلة أنتظرها بدوري؛ فهي تحرص على مفاجأتي، ولا تعلمني أبدا بمواعيد وصولها.
(6) متى ستحرقين اوراقك الابداعية وتعتزلين الكتابة بشكل نهائي؟
كم من كتب أحرقها وأغرقها وأتلفها أصحابها أو أعداؤهم، ولا أخفيك أن في إحراق الأوراق الإبداعية حسرة تعادلها متعة، ولقد أحرقت الكثير من أوراقي الإبداعية وما زلت أفعل، فالمبدع كالمخترع لا ينجح من أول تجربة. بالنسبة لاعتزال الكتابة بشكل نهائي، فما أثارني في العبارة هو شقها الثاني “بشكل نهائي”، وما يحمله من مفهوم حتمي ومطلق ويقيني لا يسمح للشك بنصيب، وهذا يدفع إلى طرح أسئلة إبستيمولوجية لتبرير صحة ما أعتقده بخصوص ذلك.
(7) ماهو العمل الذي تتمنين ان تكوني كاتبته وهل لك طقوس خاصة للكتابة؟
لم أتمن أبدا أن أكون كاتبة ما كتبه غيري، وأكره محاكاة الكتاب لما يكتبه غيرهم إلا إذا تواردت بينهم بعض الأفكار فلا بأس في ذلك. بخصوص طقوسي في الكتابة فهي كطقوسي في القراءة، تعمّها الفوضى ويغلب عليها التشتت، لا ألتزم بالزمان والمكان، أغلّب الرّغبة وأنصت للنداء الخفي.
(8) ماهو تقييمك للوضع الثقافي الحالي بالمغرب؟وما هو دور المثقف او المبدع في التغيير؟
سبق أن أجبت عن هذا السؤال في حوار سابق، عموما يستحيل على الرأي الذاتي الإجابة عنه، وهذا ما يجهله ملقو الكلام على عواهنه. فتقييم الوضع الثقافي الحالي في المغرب يحتاج إلى مشروع دراسة يحدد فيه برنامج وفريق عمل ومراحل تخطيط وجمع معلومات وتحليلها وعرضها على مختصين، وكل ذلك قد يساعد في إيجاد طرق مختلفة لتشخيص الوضع قبل تحديده بشكل واضح.
(9) ماذا يعني لك العيش في عزلة اجبارية وربما حرية اقل؟وهل العزلة قيد ام حرية بالنسبة للكاتب؟
أسأل نفسي كثيرا هذا السؤال، لا أخشى العزلة؛ بل أحيانا أحب تلك العزلة الاختيارية التي تجمعني بنفسي وتجعلني بمنأى عن ضجيج الآخر، لكن حين جربت العزلة الإجبارية جربت معها سلوكي النفسي الناجم عن الإلزام بالعزلة. وفيما يخص اعتبار العزلة قيدا أم حرية بالنسبة للكاتب، فأعتقد أن مفهوم القيود عند الكاتب مختلف، وكذلك العزلة، لأن لديه ربما عالما خاصا يسير وفق مبادئه المتناقضة أحيانا، فتجده من جهة يحاول الحفاظ على حقه الإنساني الطبيعي في الحرية داخل مجتمعه، ومن جهة أخرى تجده على المستوى الفردي يحار بين كبح حريته الوجدانية الداخلية والضغط عليها بالعقل وبين فك قيودها وتركها جامحة بلا ضوابط، وقوة هذا التخبط هي التي تدفع الكاتب نحو الكتابة.
(10) شخصية من الماضي ترغبين لقاءها ولماذا ؟
لا رغبة لي في لقاء شخصية من الماضي إذا كان اللقاء سيكون في وقتنا الحاضر، كما أن لقاءً مجردا أبدا لن يكون كافيا، فما قد أرغبه فعلا هو أن أشاركها حياة كاملة في ماضيها البعيد.
(11) ماذا كنت ستغيرين في حياتك لو اتيحت لك فرصة البدء من جديد ولماذا؟
ذكرني هذا السؤال برواية يوسف السباعي”نائب عزرائيل-البحث عن جسد” التي قرأتها في طفولتي، وقد تأتّت لبطلها الذي عاش تعسا فرصة انتقال روحه إلى مولود سعيد اختاره بنفسه ليبدأ في جسده حياة جديدة من الصفر، ولم يكن اختياره صائبا على كل حال. بالنسبة لي لا أريد البدء من جديد ولا قدرة عندي حتى على تخيل مآلاته.. ربما لا أخلو من حسّ مغامر؛ لكن فرصة البدء في سؤالك كمن يطلب من الغريق رأيه في محاولة الغرق من جديد.
(12) كيف تتعايش الكتابة الابداعية مع الصحافة تحت سقف واحد في حياة المبدعة؟
هناك حتما طرق كثيرة للتعايش بين الكتابة الإبداعية وبين الصحافة، خصوصا إذا وفرت لهما الأجواء المناسبة تحت سقف واحد، وعلى الأخص منها الحب، فإذا كنت تحبهما، فلن تغلّب أيا منهما على الأخرى، ستعدل بينهما وستمنحهما كل ما تستطيعه، وبالتأكيد هي مهمة صعبة لأن الغيرة بينهما تشتد أحيانا وفي كل مرة تحاول إحداهما أن تثبت أنها أهم من الأخرى، لكن الأهم عندي أن أكون مبدعة فيهما معا.
(13) الى ماذا تحتاج المرأة المغربية لتصل الى مرحلة المساواة مع الرجل في مجتمعنا الذكوري بامتياز.الى دهاء وحكمة بلقيس ام الى جرأة وشجاعة نوال السعداوي؟
هذا سؤال أكرهه، وأتمنى ألا تنضح إجابته بالغضب، وأبدأها بتساؤل عام أغادر فيه حدود البلد الواحد: هل نستطيع الحديث عن وصول المرأة إلى مرحلة المساواة بالمرأة في كل المجتمعات المتعددة والمختلفة؟ ونفس السؤال بالنسبة للرجل..؟؟ لذا، تزعجني كثيرا كلمة المساواة، وخصوصا حين تكرر في شعارات عقيمة وبأهداف أعقم. كما أنزعج من كلمة ذكوري؛ فكلمة رجل لا تنفي أنه ذكر بالضرورة، وكم من ألفاظ عامة ينبغي أن نتوقف عن استعمالها في وصف السلوكيات والتيارات. سأكتفي بهذا القدر فشأن الحديث في هذا الموضوع يطول ويتشجّن.
(14) ماذا يضيف لك وماذا يأخذ منك الاشتغال بالتلفزيون ؟
كل شيء نعمله مهما كان بسيطا أو معقدا فهو يضيف لنا ويأخذ منا.. وبالنسبة للاشتغال بالتلفزيون فهو تجربة علمتني التحدي والعزيمة والإصرار والمواجهة، مواجهة النفس أولا ومواجهة الظروف ثانيا وحذف “مستحيل” و”غير ممكن” من قاموس العمل.. صحيح أنها أخذت مني الجهد والوقت؛ لكنها جعلتهما ذلك الجسر المتين الذي لن يخذلني في أي خطوة ثقيلة نحو الأمام.
(15) هل للاعلامي والمثقف دور فعلي ومؤثر في المنظومة الاجتماعية التي يعيش فيها ويتفاعل معها ام هو مجرد مغرد خارج السرب؟
كل كائن بشري لديه دور فعلي وتأثير في منظومته الاجتماعية ما دام حيا ويعيش فيها، ولا يوجد أي إنسان يغرد خارج السرب إلا الميت الذي غادر تجمع الأحياء في سمائهم الأرضية. تختلف فقط طبيعة الدور وشكل تأثيره، هل هو قوي أم ضعيف؟ هل هو إيجابي أم سلبي؟ ولأن إعلاميا عن إعلامي يختلف، ومثقفا عن مثقف يختلف، فلا يمكن أن أتحدث بالعام المطلق عن أدوارهما، قد يكون الإعلامي والمثقف أكثر احتكاكا وتأثيرا في العموم، وقد يعمل أو يعملا بشكل فردي أو جماعي لأداء أدوار كبيرة ومغيّرة؛ لكن قبل هذا يجب أن يكون كل من الإعلامي والمثقف كفؤا على المستوى الشخصي الإنساني والمعرفي.
(16) صياغة الاداب لايأتي من فراغ بل لابد من وجود محركات مكانية وزمانية .كيف كتبتي :الهاربة. مماذا تهربين والى اين؟
لكل كتابة ظروفها ومحركاتها كما ذكرت، لم تكن الهاربة إلا هاربة من عدة نصوص وقصص كتبتها دون رغبة في نشرها، وشاء لها أن تجتمع في مجموعة أولى تلتها مجموعات أخرى اختلفت شكلا ومضمونا. ولكن كاتبتها لا تهرب بل تواجه العمر الهارب منها، وتخزن بعضا منه على ورق.
(17) اجمل واسوء ذكرى في حياتك؟
صعب أن أنتقي من كل ذكريات حياتي الأجمل والأسوأ، والذكرى تبقى على كل حال مجرد حدث مضى ولن يعود، وفي استحضارها افتقاد للحظة أو حسرة عليها.. عموما أحب الإبقاء على كل ذكرياتي داخل صندوق صلد لا يملك مفتاحه غيري.
(18) كلمة اخيرة او شئ ترغبين الحديث عنه؟
أشكر من قلبي كل الذين وصلوا إلى السؤال الأخير من الحوار ويقرؤون إجابتي عنه الآن، أعرف جيدا أننا نتقاسم جميعنا واقعا قاسيا مفروضا ومرفوضا؛ لكنه أقوى من طاقات تحملنا ومن قدراتنا البشرية المحدودة، لكن تاريخنا البشري يشهد بأننا كائنات باقية على الأرض ما دامت تحفظها إرادة السماء.. آمل أن نتجاوز هذه الأزمة العالمية في أقرب وقت، وأن نعود للاحتفاء بالحياة بلا ريبة أو خوف.